الفرق بين زمن الدكتاتورية والعهد الجديد |
لا اعرف لماذا تذكرت هذا اليوم عهد الدكتاتورية التي كنا نعيش تحت خيمتها المظلمة بكل تفاصيلها- كبت الحريات، كبت حرية الكلام ، التعتيم ألأعلامي، عدم وجود الهواتف النقالة ، عدم وجود ألأطباق التي تمكننا من ألأطلاع على كل مايجري في العالم ، فلسفة الحزب الواحد- من ثبت أنه ينتمي الى حزب آخر غير حزب الدولة- يذهب الى غياهب السجون والموت ولن يرى الحياة أبدأً . ولكن كانت لدينا حياة..حياة خالية من الخوف من كل شيء. في الزمن الدكتاتوري من إبتعد عن الكلام عن السلطة وتفرغ الى حياة شخصية أخرى ليس لها علاقة بالحكم يعيش مطمئن الروح والذهن في كل شيء. لايخاف من فئة أخرى تهدد حياته في أي لحظة كما يحدث ألآن. قد ينبري شخص ويحاول أن يضعني في قائمة الموالين للسلطة والحزب الحاكم في ذلك الزمن لأنه يشعر أنني أتباكى على تلك ألأطلال التي ذابت مع الريح. له الحق في هذا وذاك لأنني ألآن وفي هذه اللحظة أتباكى على تلك ألأيام التي كنتُ أخرج فيها مع زملائي نجوب شوارع المدينة من أقصاها الى أقصاه في زمن الدراسة الجامعية وعند العودة من الخدمة العسكرية أثناء ألأجازة الدورية. نذهب الى كل المنتزهات في الليل ونبقَ حتى ساعة متأخرة من الليل لانفكر بسيطرةٍ وهمية تعترض طريقنا ..تطلب منا التوضيح عن المكان الذي جئنا منه والجهةِ التي نروم التوجة اليها. ربما يظهر شخصٌ آخر ويحاججنا بالمقابر الجماعية والسجناء الذين ذابوا في سجونٍ لايعرف لها عنوان أو مكان. له الحق في ذلك. في زمن الدكتاتورية كانت هناك منظمة أو منظومة واضحة للعيان يمكن أن نطلق عليها إسم – دولة- أو لنقل – دولة مواطنة محدودة- ربما نجني منها بعض الحقوق الشخصية وألأجتماعية واشياء أخرى كانت معروفة للجميع في جميع الميادين . حينما كنا نلجا الى مراكز الشرطة بكل أنواعها لانخشى شيء إسمه الخوف أو ألأستغلال أو ألأبتزاز . كما اسلفت أعلاه من لم تكن له مشكلة مع الدولة يعيش بلا خوف. الحروب التي خلقتها الدكتاتورية في ذلك الزمن كانت محددة المكان والمقاتل يعرف على من يطلق الرصاص. نعترف بصدق الكلمة أن هناك آلاف الشباب لا بل الملايين راحوا هناك وماتوا بلا رجعة ولكن حينما نعود للمدن والعاصمة والبيوت لانشعر بخوفٍ من أي جهةٍ أخرى قد تقتحم علينا سكوننا بفعلٍ كيدي أو جنحة لم نعرف الى أي صنفٍ تعود. في زمن العهد الجديد حصلنا على أشياءٍ نحلم أن نحصل عليها في أحلامنا. الحرية، ألأنفتاح ، ألأجهزة ألألكترونية التي تربطنا في أقصى نقطة على الكرة ألأرضية في لمح البصر. أشياء أخرى لاتعد ولا تحصى كلها تصب في خدمة ألأنسان . ولكن يبقَ هناك ألف لكن وغصة في الروح تكاد تحيل حياتنا الى خوف وموتٍ وجروح. في الزمن الجديد تلوح لنا المقابر الجماعية كل يوم بطرقٍ مختلفة وغياهب السجون المعروفة والمجهولة غصت بألأحياء في الصباح والمساء. وأنين ألأمهات في مجازر – سبايكر – لازالت تعصف بأرواحنا كل لحظة ونبكي على شبابٍ لم يكن ذنبهم سوى أنهم ينتمون الى العراق وطن الخوف وتجار السرقات والفراق. أخطر شيء يمر علينا في العصر الحديث أننا نتحسر على أيامٍ كانت هناك في زمن الديكتاتورية – الكهرباء بلا إنقطاع، ألأمن وألأمان في كل ألأصقاع، نستطيع أن نجوب كل حارات البلدة الكبيرة من الرحمانية الى ألأعظمية الى البياع، بلا رعبٍ بلا خوفٍ بلا وجلٍ بلا قلقٍ بلا ضياع. سلاماً تاريخ العراق وسلاماً شهداء العراق وسلاماً دموع ألأمهات في السيديةِ والعرصات. لم أعد أعرف أيهما أفضل زمن الدكتاتورية أم زمن العهد الجديد فكلاهما يمتلكان النار والحديد.
|