العلفة

يقول عبد الرحمن شلقم إن القذافي الذي تعرض للضرب والاعتقال لاشتراكه في المظاهرات لم يتشكل لديه مفهوم الوطن: «قفز مباشرة إلى العروبة٬ ولم يتظاهر مرة من أجل حدث ليبي... الوحدة العربية هي الفكرة التي هرب إليها فراًرا من واقع المكان. هكذا أصبح الوطن – ليبيا – هو العدو الذي تناثرت فيه تلك العداوات التي لاحقته أو لاحقها حيثما حل. وكان مسقط رأسه في سرت يسمى (قارة جهنم)». يقول شلقم إن علماء النفس والاجتماع قرروا أن القادة الذين يمارسون الطغيان والعنف على شعوبهم٬ يرتبط سلوكهم بعلاقتهم بالمكان. بصمة سرت كانت راسخة. ولذلك٬ أراد القذافي أن يذل كل مكان ذهب إليه بخيمته: نيويورك٬ باريس٬ وحتى عمان. «ولم تكن ليبيا بالنسبة إلى معمر القذافي سوى مجموعة من آبار النفط تدر المال الذيُينير به أفكاره٬ ويشتري به من يستطيع من ساسة العالم٬ وأقلامه». وكان يكره أن يوصف بقائد الثورة الليبية٬ أو الرئيس الليبي٬ ويسمي نفسه فقط «قائد الثورة العالمية». وعندما قرر أن يكون ملًكا٬ لم يقبل أن يكون ملًكا على ليبيا٬ بل «ملك ملوك أفريقيا». حاول الكثيرون من رفاقه إقناعه بالإصلاحات. قدم محمود جبريل دراسة علمية تحت عنوان «ليبيا 2025» فمزقها العقيد٬ وقال لابنه سيف الذي حملها إليه: «عليكم بالكتاب الأخضر. فيه جميع الحلول. وهو الجنة على الأرض». عندما بدأت ثورة 17 فبراير قال لمسؤولي الأمن: «الليبيون جبناء. اقتلوا عشرة منهم في أول مظاهرة وسيركض الجميع إلى بيوتهم ويقفلون أبوابها وينتهي كل شيء». ابنه٬ سيف٬ كان يقول إن الليبيين لن يثوروا. «كل ما يهمهم هو العلفة٬ وبعدها يخلدون إلى النوم». وعندما بدأت الثورة في مصر دعا العقيد ثوار مصر إلى ليبيا لكي يصغوا إلى شرح «الكتاب الأخضر»٬ ثم يعودون إلى بلدهم للشروع في تأسيس «الجماهيرية المصرية». ظن أن «الآلة الصوتية»٬ سوف تسكت 17 فبراير بقيادة «آمر الدم عبد الله السنوسي». لم يستطع أن يستوعب أن الليبيين٬ ومعهم العالم٬ اتخذوا القرار بختم هذه المسرحية المساخرية الدامية. وعندما عجز عن استبدال شلقم في وفد الأمم المتحدة بشخصية ليبية٬ قرر تعيين قس عجوز من نيكاراغوا رئيًسا لوفد الجماهيرية٬ فهو كان مدفوع الراتب والمصاريف في أي حال. في السنوات الأخيرة كان أقرب الناس إليه٬ وأبعدهم عنه٬ مدرًكا أن المهزلة انتهت. إلا هو رفض أن يصدق ما يراه. «جراثيم وجرذان وفئران يتناولون حبوب الهلوسة»