في ضوء الواقع المأساوي المرير الذي يتجرعه الشعب، وهم يعيشون في ظل اشلاء دولة (مفلسة) آيلة للسقوط تتقاسم النفوذ فيها الميليشيات المنفلتة والاحزاب، وتغرقها النفايات وتعصف بها البطالة واصابع تجار الشعارات والمزايدات السياسية موغلين ومصرين في إيذاء هذا الشعب، الذي يعمل قسم منه جاهدا تحت المطر لمنع المياه من الدخول الى المنازل، فيما يعمل آخرون على اخراج المياه التي دخلت الى المنازل. جاء هذا المشهد المؤسف لحال العاصمة العراقية بعد ساعات من اعلان امينتها (ذكرى علوش) عن تشكيل غرفة عمليات للإشراف على تصريف مياه الامطار، واشارت الى ان غرفة العمليات في الامانة قد باشرت في تصريف مياه الامطار عبر الشبكات والخطوط الناقلة المنتشرة في عموم مناطق بغداد واستنفرت جميع آلياتها التخصصية وملاكاتها البشرية والتواجد الميداني لمديريها العامين والعاملين بمعيتهم تحسبًا لهطول أمطار غزيرة على العاصمة لضمان سرعة السيطرة عليها، لكن سقوط الامطار أكد ان هذه التصريحات كان مبالغًا فيها، حيث لم تصمد اجهزة واستعدادات الامانة امام هذا الكم من الامطار الغزيرة. إن مقارنة بسيطة بيننا وبين دول أقل إمكانيات منا تجعلنا نتعجب من صمود بناهم التحتية، وطرقهم، وأحيائهم، وجسورهم، رغم أن أمطارهم لا تتوقف، ونستغرب أكثر أن الدراسة عندهم لا تعلَّق، والمدارس لا تُغلق. بعد ان كانت بغداد قبلة العلماء والادباء لقرون، ولندن العرب لعقد من الزمن، احتلت العاصمة العراقية المركز الأخير بحسب الدراسة السنوية للأماكن الأفضل للعيش والتي تعدها مجموعة "ميرسير" للاستشارات، وشملت 223 مدينة، وحازت العاصمة العراقية بغداد المركز الاول لاسوا مدن العالم سمعة، هذا المركز الذي نالته بغداد بدون منازع جاء في أحدث تقرير لمعهد السمعة الاميركي المتخصص في هذا المجال، وخلت قائمة اسوأ مدن من اي مدينة عربية باستثناء بغداد بينما جاءت العاصمة الايرانية طهران في المركز الثاني سوءا. وإننا نسأل الحكومة العراقية وعلى راسها امينة العاصمة، هل ان قائمة اسوأ المدن لهذا العالم تفرحكم، واشك انها تحزنكم، بغداد غدت العاصمة العربية الوحيدة ضمن اسؤا مدينة في العالم، ونتفاجأ ويتفاجأ الشعب العراقي وبعد أكثر من أربعة أيام من غرق بغداد والمستشفيات وتتسلل الى اقسام الطوارئ وتقطع خطوط الكهرباء والاتصالات وتجعل أسرة المواطنين وممتلكاتهم وحاجياتهم المنزلية تطفو على سطح مياه الامطار الآسنة التي تمازجت مع المياه الثقيلة، بقرار من رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي): وهو إعلان الطوارئ في المناطق الغارقة بمياه الامطار وتشكيل لجنة الطوارئ الحكومية برئاسة وزير الإسكان والتعمير(طارق الخيكاني) والغريب في الأمر لم تعلن حالة الطوارئ في حينها، بل كنا نعيش مشهد يومي تطل فيه علينا امينة بغداد (بكامل اناقتها) ومكتبها الإعلامي يوزعون الاتهامات تارة يسارا وتارة يمينا وببروفة رائعة الإخراج، ولم تقدم الامينة شيئا لأجل تفادي الكارثة بعد ان طفحت مياه المجاري الثقيلة، واعلن عن نقل جميع المرضى الراقدين في مستشفى الجملة العصبية في بغداد الى مستشفيات اخرى بعد تعرضها الى الغرق بسبب مياه الامطار، تلك الفواجع جعلت رئيس الوزراء يعلن حالة الطوارئ وتشكيل (لجنة الطوارئ الحكومية) وتحديدا بعد الحملة الشعبية والإعلامية ضد امينة بغداد، وبعد قرار مجلس محافظة بغداد بإقالة أمينة بغداد ووكلائها، والمؤسف والمثير للاستغراب ان تكون الامينة احد أعضاء لجنة الطوارئ، وان يراس هذه اللجنة وزير من مواليد 1976وخريج كلية التربية(لغة عربية) وليس له في عمل امانة بغداد أي تخصص ولا خبرة، فكانت هذه اللجنة رسالة من العبادي لأهالي بغداد ولمجلس محافظة بغداد بأن (الامينة علوش) فوق الشبهات وفوق الشعب وفوق سكان بغداد وفوق قرارات مجلس محافظة بغداد. ان اختيار الامينة كعضو في هذه اللجنة يكاد يكون تكريم لها، كونه(العبادي) جعلها بمنصب أعلى وجعل لها صلاحيات واسعة باسم الطوارئ ضد مجلس حكومة بغداد وضد تطلعات وماسي أهالي بغداد الغرقى، وضد البرلمان وتحديدا لجنة الخدمات البرلمانية. وقرأت تعليق لاحد الاخوة يقول فيه (أن إعلان تشكيل لجنة الطوارئ ما هي إلا استعدادا للطوارئ في البلاد ورسالة للنواب الذين يريدون إقالة العبادي وسحب التفويض منه لأن إصلاحاته خارج الدستور والقانون). كيف لنا ان نوكل مهمة لجنة حكومية عنوانها (لجنة طوارئ) الى وزير ليس له أي اختصاص فني او هندسي(مع كل الاحترام لشخص الوزير) وليس له خبرة كوزير الا اقل من سنة ونصف، والسيد العبادي خول رئيس اللجنة صلاحيات رئيس مجلس وزراء لضمان التنفيذ الفوري للإجراءات اللازمة، ولم يخول اللجنة بكامل أعضائها، وهذا خطأ كبير كان من المفترض ان تكون الصلاحية للجنة وليس لرئيس اللجنة، وتخرج علينا لجنة الطوارئ بتصريحات بعيدة عن الميدان الحقيقي للفاجعة وبإجراءات عقيمة منها (تصريف مياه الامطار الى الأنهر)، واصبح كل شيء جائز في العراق، لأن قليلي الخبرة والفاشل والكسول بإمكانهم أن يكونوا في أعلى المناصب في العراق، أنه بلد الأحلام غير العادية. وحسنا فعل السيد رئيس الوزراء عندما شكل لجنة تحقيقية فنية برئاسة وزير او وكيل وزير او مستشار من ذوي الخبرة والاختصاص لبيان الاسباب الحقيقية والاخفاق الحاصل وعدم الاستعداد الكافي لتلافي ازمة الفيضانات؛ وخولها السيد رئيس الوزراء صلاحية استدعاء أي مسؤول مهما كان منصبه، فكان من المفترض ان تقوم هذه اللجنة بمهام لجنة الطوارئ الحكومية أيضا كونها تضم فنيين ومهندسين أصحاب اختصاص ووجود أكثر من خبير ومتخصص في مجالات مختلفة مهم وجوهري حتى يتم حساب كل عامل من العوامل وتحديد التصرف المطلوب مع كل عامل، ولابد ان يكون ضمن هذه اللجنة خبراء دوليين ممن يعملون في هذا المجال يتم التعاقد معهم لأجل تنفيذ المشاريع واتخاذ الإجراءات الاستباقية والاحترازية السريعة التي تؤمن وتضمن عدم تعرض العاصمة بغداد لغرق ثاني. أن إدارة الأزمات هو مجابهة الأزمة والاستعداد لها قبل حدوثها، لا عند حدوثها، وبالتالي اندفاع الجميع للحل أثناء الأزمة على طريقة "نظام الفزعات" لا يجدي نفعا، لابد من وجود للفكر التنبؤي المعتمد على منظومة وقائية كما في اليابان للتقليل من أخطار الفيضانات والزلازل والاعاصير. والمراقبين يسألون بعد تشكيل لجنة الطوارئ الحكومية عدة أسئلة، منها: س/ هل لدى رئيس اللجنة واعضائها التنظيم المطلوب لإدارة الازمة والقدرة والخبرة على استغلال العلم والخبرات العملية والمهارات الشخصية في مجالات عمل الأمانة المختلفة بخاصة في مجال الفيضانات ومنظومات الصرف الصحي؟ س/ هل لديهم استراتيجية فعالة لتكون مرشداً للأعمال التنفيذية والموجهة للمنفذين لمواجهة تحدي الفيضانات؟ س/ هل يمتلكون الخطط والبرامج التي تعبر عن العمل الإداري الذي ينسق بين الأجزاء ويحقق التناسق فيما بينها، ليجمعها في خط واحد متكامل ويسير في اتجاه واحد لحل ازمة الفيضانات؟ س/ هل سيقومون على فهم حقائق الواقع المأساوي الذي تسببت به الفيضانات، ويشخصون بدقة العوامل المؤثرة، ويضعون الترتيبات اللازمة لتنفيذ ما يؤمن على تجنيب بغداد الغرق؟ س/ هل تمتلك اللجنة، نظاماً فعالاً للمعلومات يتسم بالدقة والتوقيت المناسب والملاءمة حتى تكون للمعلومات قيمتها الأساسية، ودرجة نجاح أو فشل أي لجنة يتوقف على نوعية وجودة القرارات التي يتم اتخاذها ومدى ملاءمتها للموقف والازمة، فهل يا ترى لجنة الطوارئ الحكومية لديها معلومات وخبرة على اتخاذ مثل هذه القرارات؟ خاصة اننا امام مهمة تتمثل في القدرة على استخدام الأدوات والوسائل والإجراءات والأساليب التي تساعد على أداء مهمة متخصصة وتحتاج الى مهارة فنية تركز على طرق وأساليب العمل. س/ ان عمل لجنة الطوارئ الحكومية عمل هندسي فني يطغي عليه الطابع البلدي مما يتطلب مهارات وقدرة على إدراك القضايا المعقدة والديناميكية والفنية، ويتطلب ان يكون هناك مدير فعال يعتمد على قدرته الشخصية وخبرته بالإضافة إلى سلطته الرسمية، فهل مدير لجنة الطوارئ الحكومية لديه تلك المهارات والخبرات؟ ان اختيار لجان الطوارئ في كل الدول لها اطرها وسياقاتها ومعايير لاختيار رجالها. والمطر من حيث هو، ظاهرة خير وبركة، لأن الماء نعمة لكل الأحياء، لكنها أصبحت كارثة في العراق، لفشل الحكومة، في كافة مستوياتها، في القيام بأدنى حد من المسؤولية، فلو أن هذه الأمطار، حدثت في أي بلد آخر، أو في مدينة ذات تخطيط جيد(مصارف مياه وخطوط صرف وبنى تحتية سليمة) لما أدت الى كارثة، بل انتقع الناس بكميات المياه الفائضة في أعمال الزراعة، والتعمير، وتحسين البيئة، وجمال الطقس، ولو كانت هنالك حكومة مسؤولة، لأقيل المسؤول، ومساعديه، وتمت محاكمتهم، علناً، بتهمة التقصير في واجبهم، وفي تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وما دامت الأمانة قد صرفت ملايين الدولارات على بناء حدائق ونافورات ونصب تذكارية، لتذهب لجيوب النافذين، كان الأجدر ان تجنب أموالاً، لإصلاح المجاري، والطرق، والشوارع، قبل كل خريف، وكان من المتوقع، ان يطالب البرلمان بالمحاسبة، وأن يستدعي المسؤولين لمساءلتهم، عن الأخطاء التي تسببت في الكارثة، وعن ما حدث من سرقة، ونهب للأموال، بواسطة بعض المسؤولين، لكن البرلمان لم يفعل شيئاً أكثر من استدعاء الامينة من قبل لجنة الخدمات البرلمانية، بالرغم من تصاعد بعض الدعوات باسم البرلمان لاستدعاء الامينة ووكلائها للمثول أمام البرلمان، وهو إجراء برلماني قانوني متاح لكنه لم يتم، مما اعطى فكره لأهالي بغداد بأنه ليس هناك تقصيراً او سوء إدارة من كادر امانة بغداد، فالحكومة والبرلمان، يموت مواطنيها بالصعق بالكهرباء وتحت أنقاض منازلهم، التي انهارت فوق رؤوسهم، بسبب محاصرتها بمياه الأمطار، التي لم تجد مجاري تنصرف فيها، ومع ذلك ترفض الحكومة ومعها البرلمان أن تتهم بالتقصير، أي استهانة واي استخفاف بهذا الشعب تقوم به الحكومة العراقية والبرلمان؟؟ ان فن ادارة الدولة من مقوماته هو، بناء المجتمع وصيانة المال العام وامانة الحفاظ عليه وتنميته وحسن ونزاهة توظيفه في ميدان تقديم الخدمات وتحديث البنى التحتية.
|