عراق موحد لكن.. بمصائبه

ذات مرة نويت الشروع بعمل بعد إلحاح زملاء لي من المتابعين لمقالات الكتاب في الشأن العراقي، إذ طلبوا مني جمع مقالاتي وطبعها في سلسلة كتب، يومها قال لي أحد القائمين على هذا: عليك ان تبوِّب موضوعاتك حسب نوعها، والغاية التي كُتبت لأجلها.. أقول عن مشروعي هذا:
معلوم ان إنشاء أي مقال يتطلب من كاتبه مقومات عدة، ليضمن وصول مايهدف اليه أمام أنظار القارئ او الى مسامع السامع، وفي صدارة تلك المقومات وحدة الموضوع. إذ تعلمنا ان تحديد موضوعنا ووضعه داخل إطار اهتمامنا يعد حجر أساس للمقالة اوالبحث اوالتحقيق الذي نروم إنجازه، ومن داخل ذاك الإطار نتنقل بين جوانب الحديث، ونتناول ما يسهم في إيصال الفكرة والغاية من طرحها، وبهذا نضمن عدم تشعب الموضوع وتمييع الهدف وتواري القصد الغائي من كتابة المقال. وبما ان الشـأن العراقي في كتاباتي هو الهدف والقصد، وفي ذات الوقت هو الوسيلة والحجة، فإني بوضع حجر الأساس لأي سطر من سطور مقالاتي، أشعر باني عراقي بأضعاف كثيرة، تربو على الثلاثين مليون ضعف، فانا الكاتب وانا القارئ، وانا القاصد وانا المقصود، وانا الذي أعاني -ولطالما كنت كذلك- وانا الذي أنقل المعاناة، وأنا المرسِل وأنا المرسَل اليه، وأنا الذي أزف البشرى -ونادرا ما أعثر عليها- وأنا الذي أفرح بها. وبهذا أشاطر أساتذتي وزملائي صياغ الكلمة الحرة والصادقة بأداء خدمة وطنية وإنسانية، أرى انها أقل مايمكن ان نؤديه لمجتمعنا. لكن المعضلة التي تعترض سبيلنا وتحد من تحقيق غايتنا، هي آذان المقصودين في مقالاتنا، فهي عادة ماتكون صماء، ويتناسب صممها طرديا مع مركزها في البلد ووجاهتها في المناصب، لاسيما تلك التي تتربع على كراسٍ تحت قبة من القبب، اوفي مجلس من المجالس، اوتحت وصاية كتلة او حزب يخال ان العراق ملك صرف له ولـ (الخلفوه)، وقطعا من يكون هذا حاله يتبوأ مقعده خلف حصانة منصبه ومرتبه وحمايته، وقد يكون مدده من خارج الحدود، واضعا بهذا كتلا كونكريتية بينه وبين رعيته فشعاره غالبا مايكون: (ياروح مابعدچ روح) وهو الذي انتخبه الشعب ليحقق له بعض مابخسه السابقون.

وعود على بدء، فأنا ملزم -إذن- بوحدة موضوعي في كل عمود أنزفه، والتزامي هذا مزدوج، فهو مهني وانساني في آن واحد وآنية واحدة. لكنني في حقيقة الامر أعاني حين أبحث عن وحدة لموضوع العراق، فهو بكل همومه وأحزان شعبه، بأفراحهم وأتراحهم، بأمنهم وقلقهم، ببناهم التحتية ومشاكلهم السياسية والاقتصادية والخدمية، بالعاطلين عن العمل، بانواع الخلل والفسادات المالية والإدارية، الى استشراء الرشاوى، الى تدهور الكثير من الشؤون العراقية، كلها تجتمع في موضوع واحد، ليس بالإمكان تجزئته، فالإنسان العراقي هو وحدة واحدة لاتتجزأ، لذا فمن الصعب ان يكون موضوعي متعلقا بشأن عراقي دون باقي الشؤون، او بعراقي دون الباقين، ولا أظن ان هناك فرقا بين كاتب وقارئ، فالكل يعيش بين أحضان دجلة والفرات، والكل يستنشق هواءه الـ (عذيبي) فينعم به، وإذا كان الـ (شرجي) فالكل يصدع رأسه على حد سواء. وبهذا تكون وحدة الموضوع في عراقنا متداخلة ومتشابكة. فإذا أردت أن أبوِّب مقالاتي حسب الهدف من إنشائها والغاية من كتابتها؛ فإني أبوابها تحت عنوان واحد هو: من العراق.. والى العراق.. وفي سبيل العراق.