لعب المسلمون ومنذ بداية الاسلام الدور الاساسي , بل الوحيد في نسف وتدمير أهم أسس الاسلام ومبادئه الفكرية والعقائدية ,فلا يعرفون من الاسلام الا اسمه , ومن الدين الا رسمه, وجردوه من صفته الاساسية الكبرى ألا وهي الرحمة, وأسقطوا في الوحل رايته العالية , راية السلام, وسلبوا منه رداء المحبة, ناهيك عن اهدافه التي لم يصل اليها كالعدل والحرية والمساواة , وصون حقوق الانسان وكرامته. وأضمروا النفاق وشبوا وشابوا عليه , وأسروا البغض وأعلنوه , وأشربوا العداء لله ورسوله والمؤمنين , حتى ذهبت ابصارهم , وقست قلوبهم, واقترفت أياديهم ابشع الجرائم التي تلطخ وجه التاريخ بالعار والشنار. وبقيت ثلة مؤمنة منهم تناضل من اجل انقاذ تلك المباديء والقيم السامية , والاخلاق والصفات العالية, ترفع الى عنان السماء رايته, وتنشر بين الخلائق نوره , فدفعت من اجله حياتها وحريتها وكرامتها واموالها وحقوقها, فتعرضت الى القتل والسجن والتشرد والفقر, حتى اصبحت الثلة الوحيدة على وجه الارض التي تتعرض باستمرارالى كل هذا العدوان وهي تخوض غمار النضال للمحافظة على الاسلام من اجل الانسانية ونيابة عنها. ولو قدر لهذه الثلة الوصول الى الحكم منذ بداية الاسلام الى اليوم , لدخل الناس في الاسلام مختارين بلا حروب ولا دماء , ولا رأينا كل هذا الذي نراه من انهيار تام للقيم الانسانية , والمباديء الاخلاقية , والمعاني الاسلامية . لقد اشار التاريخ الى نتيجة واضحة لكل ذي نظر ان عدوانا على الاسلام من خارجه لم يقع قط , بل أكد ان المسلمين هم أعداؤه الألداء , فها هو يحفل بصرخات ابي سفيان ( تلقفوها تلقفوها فوالذي يحلف به ابو سفيان لا ملك جاء ولا وحي نزل ) لتنتقل تلك الكلمات من خلال جيناته الى حفيده يزيد الذي ينشد قائلا وهو يستقبل رؤوس ضحايا واقعة الطف من قادة الثلة المناضلة ( لعبت هاشم بالملك فلا .. ملك جاء ولا وحي نزل) ليتبعه الطغاة والجبابرة من امراء الدولة الاموية , امراء السوء والرذيلة , والاستبداد والجريمة , حتى اذا قرأ احدهم من القران شيئا فيه وعيد للجبابرة , واهانة للمجرمين المعاندين, يأمرهم بجلب القران ليرميه بالسهام وهو ينشد مخاطبا اياه ( أتوعد كل جبار عنيد .. فها أنا ذاك جبار عنيد .. اذا ما جئت ربك يوم حشر .. فقل يارب خرقني الوليد ). فبقيت هذه الدودة تنخر عقل الامة وبدنها , حتى احالتها الى جذوع نخل خاوية , واستمر القتل وسفك الدماء, ومصادرة الحقوق ونهب الثروات, واستدعاء الخارج للتدخل بشؤون الامة حتى يومنا هذا. فلم يكن العدوان من خارج المحيط الاسلامي , بل هو الذي كان يستدعيه , اما من خلال التقصير اتجاه الامة , أو من خلال الخيانه , حتى تذهب بعض الانظمة الى درجة الاستجداء من الاجنبي , او المحتل لكي يشن عدوانه على الامة , او على اجزاء منها , بل وتطلب منه الاستمرار في عدوانه اذا شعر انه يريد التوقف عنه , متعهدة بدفع كافة تكاليف ذلك العدوان . لعل التاريخ لم يحمل الخلفاء (الراشدين) المسؤولية الكاملة والمباشرة لما حدث اثناء حكمهم خاصة, وبعد رحيلهم الى يومنا هذا, وهو ايضا لم يشر لا الى دور الفرد ولا المجتمع في المساهمة في تشخيص ومعالجة العلة التي اصابت هذه الامة , صحيح ان السواد الاعظم من المسلمين مازال يتبع الطغاة والظالمين من الخلفاء والامراء الفاسقين والمجرمين , الا الثلة المناضلة والنخبة الواعية التي قامت بواجبها على اكمل وجه , فلم تدع خللا الا وشخصته , ولا مرضا الا وعالجته , لكن التاريخ الذي كان يكتب بيد الطغاة تغافل عنها, فلم تدرك الاقلام التي كتبته بأنه محفور ومحفوظ بذاكرة الاجيال التي لها كتابها ايضا , ولها من الاقلام مايكفي لدحض شبهات الطغاة , وردم الهوة بين المزور والحقيقي كي لا يلتبس الامر على الباحثين والدارسين وطلاب الحقيقة. كان عدوان المسلمين على الاسلام ومازال يرتكز على ثلاث مهمات اساسية, المهمة الاولى هي تشويه صورة الرب الخالق الرحيم الودود ليبدو وكانه وحش كاسر يحب سفك الدماء , وهو سبحانه مانح الحياة , وسعت رحمته كل شيء. والاستهانة به وبرسله ورسالاته , من خلال الكذب عليه وعلى رسله وانبياءه , والحط من منزلته , ومن ثم ارتكاب الجرائم والموبقات والتصرفات المشينة على المستوى القيادي خاصة , دون وجل او خجل. المهمة الثانية هي ملاحقة وتشريد واضطهاد وقتل كل من ينتمي الى الثلة المؤمنة والنخبة الواعية من التقاة والمؤمنين المعارضين والعلماء العاملين , ممن يمثلون روح الدين وضمير الامة, لكي يستطيع الطغاة استعباد الناس , والقضاء على مضامين الدين , وترك قشوره ليتشدقوا بها امام العامة. اما المهمة الثالثة فهي طمس تراث الاسلام , لاسيما الفكري والعلمي منه , لانه يمثل ذاكرة الامة , وبالتالي فان بقاءه يشكل خطرا على أسس الدولة الاسلامية , التي ضحى المسلمون بالاسلام من أجل تأسيسها , بل امتدت أياديهم الاثمة لتهدم كل بناء يمكن ان يدل على ذلك التراث ولو بشكل محدود وغير مباشر, بل حاولوا هدم الكعبة نفسها او مرقد النبي ص ومسجده المعظم. نعم , ان هذه المهمات الثلاث كافية للقضاء على روح الاسلام لو قدر لها ذلك , لكن الثلة المناضلة والنخبة الواعية كانت تحول دون تحقيق تلك الاهداف , ومازالت القربان الذي يذبح في كل يوم ومكان , كي تبقى الحقائق جلية والسبل واضحة. تغلغلت هذه الاستراتيجية التي بدأت في قلب ابي سفيان , وظهرت للعلن على لسانه في عمق الفكر السياسي للدولة الاسلامية , وبدأت تاخذ طريقها منذ اللحظات الاولى لرحيل النبي محمد ص , بل حتى قبل رحيله بساعات او ايام , عندما تيقنوا انه مفارقهم لامحالة , حتى وصلت بكامل عنفوانها الى الحركة الوهابية , التي استطاعت ان تجند كامل ما لديها من امكانات كي تحقق الاهداف المرجوة منها , وعندما رأى ال سعود وحلفاؤهم في الداخل والخارج ان اصابع الاتهام بدأت تشير وبوضوح , رغم التهديد والوعيد والتضليل الاعلامي , وشراء الذمم , وشن الحروب الى دور هذه الحركة في هدم ركائز الاسلام الاصيل, وانها تشكل تهديدا خطيرا للامن والسلم العالميين , بدأوا يفكرون بانشاء حركات اخرى تبدو في ظاهرها منفصلة عن الحركة الأم , مهمتها تغيير بوصلة الانتباه عن تلك الحركة, وهكذا ولدت القاعدة ثم داعش وغيرهما من رحم الحركة الوهابية الخبيث , لتمثل اقسى ما يعانيه الاسلام من عدوان صارخ , وتشويه منظم , لايبدو ان غالبية المسلمين يفكرون بردعه , الا الثلة المؤمنة والنخبة الواعية من ابناء الامة الاحرار, الذين يحملون في قلوبهم روح الاسلام الاصيل , وعلى أكفهم أكفانهم , وهم يخوضون اقسى معركة , واخبث عدوان على الاسلام فكرا ومضمونا وحضارة وتاريخا , بل حاضرا ومستقبلا ووجودا.
|