ليس لها بيئة حاضنة

ليس لـ«داعش» بيئة حاضنة بالمعنى المتعارف عليه. الذين في مناطقها يخافونها ويحاولون الهرب إلى مناطق أكثر رحمة. والعرب الذين غرر بهم يحاول بعضهم أيًضا الرجوع إلى أهلهم وإلى رشدهم. والتوتر بين الأهالي والإرهابيين الأجانب قد يكون عاملاً أساسًيا في انفراط التنظيم٬ الذي يبدو أن العالم اتخذ أخيًرا قراًرا جدًيا بمحاربته٬ بعدما نقل القتال إلى أجواء وعواصم الدول؛ غربية أو شرقية٬ مستهدًفا روسيا في يوم٬ وباريس في آخر. والجهة التي يقاتل عليها «داعش» هي التي قاتلت عليها «القاعدة» من قبل٬ أي زرع الرعب في الأماكن المدنية والمواقع المحرمة حتى على أكثر المشاريع توحًشا٬ وقتل الأبرياء دون تمييز٬ وتوسيع برك الدماء٬ والتأكيد على أفظع مدى ممكن من الهمجية وعدم الرحمة. وكانت «داعش» حتى الآن تتمتع بكون أعدائها متفرقين ومختلفين. وبعضهم كان لا يمانع في أن تهزم هي خصومه. أما البعض الآخر٬ مثل النظام السوري وإيران٬ فكان يرى في توحشها خدمة كبرى تسدى إليه. وحتى روسيا كانت ترى في سلوك «داعش» «فائدة سلبية» إلى أن طالتها المأساة من خلال طائرة شرم الشيخ٬ وأرغمت موسكو على أن تلبس ثوب الحداد الذي لبسته باريس بعد أيام٬ وكاد يلقى على إسطنبول. عناوين صحف أوروبا وخطب قادتها وتصريحات أهلها تؤكد أن «داعش» حققت بغيها: أولا٬ أرغمت الديمقراطية على إعلان حالة الطوارئ٬ والجيوش التي لا يراها الأوروبي في الشوارع طوال حياته ملأت الأمكنة بأسلحتها الحربية٬ والخسائر الاقتصادية تضخمت٬ كما فاخر بن لادن بعد «11 سبتمبر» نيويورك٬ وأحدث شًقا هائلاً بين مسلمي الغرب وأهله في كل مكان٬ مما يحرض المسلمين أكثر على الإطار الذي يعيشون فيه٬ ويزيد من حدة المتطرفين الغربيين٬ ويصاعد النزعات الفاشية ويقوي حضورها السياسي٬ ويضعف دعاة الانفتاح والانصهار والعناية بضحايا الحروب العربية الدائرة. لا يمكن أن تبقى الأشياء كما هي بعد مقتلة باريس. قاعة الجمعية الوطنية الفرنسية التي تظل أكثرية مقاعدها خالية٬ لم يتغيب عنها نائب واحد في الجلسة الطارئة التي عقدت للاستماع إلى فرنسوا هولاند يبلغ شعبه أن «فرنسا في حالة حرب». إنها الجملة نفسها التي استخدمها جورج دبليو بوش بعد «11 سبتمبر». وهذا يعني تعليق الحياة المدنية في البلاد٬ وعدم التوقف طويلاً عند القوانين التي تعطي الأفراد كثيًرا من حقوق الاعتراض. كما تعني أن أوروبا برمتها تعيش منذ الجمعة في حالة استنفار تجاه جميع الأسماء والملفات الموجودة لديها. وكان لافًتا الدعم الذي حصلت عليه باريس من الرئيس التونسي الذي وصل إليها صباح اليوم التالي٬ وكذلك من الرئيس بوتفليقة٬ بمعنى ألا حماية لأحد.