من القواعد المعمول بها في الأنظمة الكونية و من سنن الحياة البشرية أنه كلما أشتدت الأزمات تزداد الحاجة الى التنسيق و التعاون ، لوجود قناعه لدى الانسان بأنه لوحده لا يمكن أن يصمد أمام هذه الازمات و الشدائد أياً كانت نوعها و أختلفت في مستواها .
الأزمة الأمنية (واحدة من هذه الأزمات) هي نقطة تحول أو موقف مفاجئ يؤدي الى أوضاع غير مستقرة و تنتج نتائج غير مرغوب فيها في وقت قصير، و تتطلب أتخاذ قرار سريع و محدد للمواجهة في وقت تكون جهة أتخاذ القرار غير مستعدة او غير قادرة .
شهد التاريخ البشري العديد من الازمات و الاحداث الأمنية التي كانت بمثابة نقطة تحول في تغيير الاستراتيجيات و الخطط عن سابقاتها مستنداً الى درجة الخطورة و مصدرها و مدى تأثيراتها على الحياة العامة للشعوب ، و في تاريخنا المعاصر كانت الاستراتيجيات الامنية أبان الحرب الباردة تختلف عنها بعد الحرب الباردة , كما و أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام (2001) غيّرت من أسس و مبادئ التخطيط الأمني الأمريكي و شرعت قوانين و أتخذت اجراءات تحصيناً للأمن القومي و كذا الاحداث الارهابية المتعددة في الدول الاوربية و الشرق أوسطية , و لكن السمة البارزة في كل المراحل عند وضع الأستراتيجيات الأمنية هي التأكيد على التنسيق و التعاون الأمني بين الدول لأيمان هذه الدول على أن الأوضاع الأمنية لايمكن السيطرة عليها بوحدها ، وأن الأمن أصبحت مسؤولية الجميع ، بالاضافة الى ظهور مصادر تهديد عابرة للحدود . و من حق الشعوب و الدول وواجبها التعاون في سبيل تحقيق السلم و الأمن العالميين ، و تبدأ بتبادل المعلومات و المتهمين و المطلوبين للعدالة و تنفيذ عمليات خاصة مشتركة ضد الجماعات الارهابية المتطرفة .
وان المثير للجدل في هذا التعاون هي تبادل الاتهامات بين الدول خاصة التي تكون ضحية للعمليات الارهابية بأتهام الدولة التي حصلت على معلومات عن قيام الجماعات الارهابية بتنفيذ عمليات من تفجير و تدمير و خطف ضد دولة ما ، و تبادلها لتلك المعلومات معها فإن تنفيذ هذه العمليات في تلك الدولة (المستقبلة للمعلومات) فإنها تتهم الدولة المرسلة للمعلومات بإشتراكها مع الجماعات الارهابية و تشك في
صدقها و موقفها بل تتخذ موقف سياسي ضدها بحجة رعايتها للأرهاب او غض البصر عن نشاطاتها مما تؤثر بشكل سلبي في علاقاتهما الدبلوماسة المشتركة .
فعلى سبيل المثال اتهمت فرنسا (تركيا) برعايتها للجماعات الارهابية التي نفذت عملياتها في باريس قبل فترة و لم تشترك بالشكل المطلوب في أجتماعات (G20) ، بعدما زوّدت الاجهزة الامنية التركية فرنسا بمعلومات عن نية الجماعات الارهابية (داعش) بتنفيذ عمليات على أرضها و هذا يحمل بين ثناياها مجموعة من التساؤلات منها :
* ان الاجهزة الامنية في الدول المستقبلة للمعلومات لاتثق بالمعلومات التي تردها من الدول الاخرى و لا تأخذها بجدية . بل تعتبرها مضللة في بعض الاحيان .
* ان تنفيذ العمليات الارهابية في الدول و بالرغم من تبادل المعلومات فيما بينها دليل على قدرة هذه الجماعات بالاختراق أو أنخراط جهات رسمية في مساعدتها .
* على أساس العلاقات والتعاون الأمني بين الاجهزة الامنية في الدول المختلفة تبنى العلاقات الدولية و تؤخذ المواقف السياسية و العسكرية ...
* بتبادل المعلومات بين الاجهزة الامنية تتضح مدى قدرة هذه الاجهزة على الاختراق و الحصول على المعلومات من عمق العدو.
* أن للتعاون الأمني بين الدول دور كبير في صناعة القرارات التي تمس حياة المواطنين ويكون اساساً للتعاون في مجالات أخرى .
* أن التحقيقات التي تجريها الاجهزة الأمنية عقب العمليات الأرهابية من الممكن أن تمهد الطريق للحصول على أدلة أدانة واتهام الدول أو الجهات الممولة لهذه الجماعات الخارجة عن القانون لأن الاتهام يجب أن تستند الى أدلة وبراهين .