هل يشطب العراق من الخارطة؟

 

 

لاشك أن تقدم الشعوب وتأخرها مرتبط بمن (يحكم) تلك الشعوب، وتتداخل عوامل عديدة وكثيرة في صناعة أو ولادة (القائد)، وعادة ما تتحدد هوية (القيادة) بالمهام الواجب إنجازها، بل تتحدد بالكيفية التي يتم التعامل بها مع هذه المهام، فبعض القادة العظام قد قضوا معظم وقتهم يتعاملون مع تفاصيل عادية، إلا أن ما جعلهم (متميزين) هو إتباعهم لطرق غير عادية في التعامل مع هذه المهام ومع كل أمر في حياتهم، وقد برز البعض منهم في (الأزمات) التي تتطلب (صقل المقاييس العليا للأخلاقيات الشخصية): وهي قد أحتلت أعلى القائمة في صفات القائد الفاعل، حيث لا يمكن أن يعيش أخلاقيات (مزدوجة) أحداها في حياته العامة والشخصي والأخرى في العمل، فالأخلاقيات الشخصية لابدْ أن تتطابق مع الأخلاقيات (المهنية)، ومن خلال (النشاط العالي): فقد عمل هؤلاء القادة على الترفع عن توافه الأمور والانغماس في القضايا الجليلة حيث لم يقم أي قائد بإرهاق نفسه في القضايا الكبيرة والمثيرة، فهؤلاء (القادة) كانت لديهم قدرة رائعة على اكتشاف (المهم والمثير) من القضايا، وهذا يعني أن على القائد أن يطور حساً تمييزياً بين ما هو مهم حقاً وبين ما هو مثير للأهتمام، ولعل تطوير هذا (الحس) يتأتى عن طريق الخبرة.. ومن خلال ما (ينجزه) القائد الفاعل يتصف عادة بقدرته على إنجاز الأولويات، فإعداد الأولويات أمر مهم جداً، غير أن هنالك بوناً شاسعاً بين إعداد الأولويات وإنجازها، وغالباً ما تنتهي معظم قوائم الأولويات في سلال المهملات أو محارق النفايات دون أن  يتاح لها المجال أن تتجسد على أرض الواقع، والفرق بين الشخص (الحالم) وبين الشخص الذي يقوم بالعمل، إن الحلم والتخطيط للعمل شيء في غاية الأهمية، غير أن (الأحلام) لا تحقق شيئاً على الأطلاق، كما أن (القائد) المطلوب حقاً في (المواقف الساخنة) هو ذلك الإنسان القادر على جعل الأشياء حقيقية..! والعراق ليس اليوم، بل ومنذ نصف قرن يبحث عن (الخلاص) من خلال قيادة مخلصة، ولا يبدو أن كل من حكم العراق قد استفاد ممن سبقه في الحكم، وتعلم من الإيجابيات وطورها وتجاوز السلبيات ولم يكررها، ولكن ما حدث ويحدث أنهم يطبقون الآية حسب أهوائهم مصالحهم (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) (الأعراف : 38)، لتهدم كل شيء وتبدأ من الصفر، ليعودوا بالعراق وشعبه للقرون الوسطى ووطناً يكاد يشطب من خارطة الأوطان والحياة، وسبب الكارثة التي نعيشها هو أفتقارنا إلى القيادات المخلصة المحنكة التي تضع الجماهير فوق مصالحها واطماعها الشخصية وتعرف كيف تخرج شعباً تعباناً ووطناً خربااًن من الأزمات، التي هي من نتاج من حكموهم ويحكمون الآن!!