أن يأتي متأخرا خير من ألا يأتي أبدا, هذا لسان حالنا مع التقرير السنوي لهيئة النزاهة الذي صدر الأربعاء 10 – 4 – 2013 ليقيّم لنا نزاهة صفوة الجهازين التنفيذي والتشريعي.
دعونا نقول أولا أن جهد الهيئة مشكور، فليس من السهل أن تكون رقيبا وحكما على شأن معقد مثل النزاهة في بلد أكثر تعقيدا مثل العراق. إنه ليس سيرا في حقل ألغام، بل اقتحام لمرآب يعج بالسيارات المفخخة.
والصعوبات في هذه المهمة لا تعد ولا تحصى، والمراوغة والاحتيال على هذه الهيئة لن يكون عصيا على بعضهم، بل على كثيرين من ناهبي المال العام.
تقرير الهيئة حول حال النزاهة في العام 2012 نورته أسماء من صفوة الصفوة، ممن امتنعوا عن الادلاء ببيانات عن ذممهم المالية. هم 112 نائبا بضمنهم رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري، ورئيس القائمة العراقية إياد علاوي، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك، ووزير النقل هادي العامري، إضافة إلى أن بعض المؤسسات الحكومية هي الأخرى لم تقدم كشوفاتها المالية كديوان رئاسة الجمهورية، ومكتب رئيس الوزراء، وجهاز الأمن الوطني.
ولا أدري ما الذي منعهم. ولكي نحمل أخوتنا على سبعين محملا حسنا دعونا نحسن الظن ولنقل مثلا انهم سيقدمون كشفا بذممهم المالية عندما يحين رأس السنة الخمسية لكل منهم، فهم لن يقدموا كشوفهم قبل دفع الخمس قربة إلى الله تعالى. فلا تستعجل أيها المواطن الكريم وسامحك الله يا هيئة النزاهة.
إلا أن المحزن، أو قل المقرف، أو المخزي، هو أن يكذب السادة المسؤولون بأن يقدموا معلومات خاطئة أو غير مطابقة لاستمارة كشف الذمم المالية للعام الماضي، وهؤلاء بلغ عددهم 565 مسؤولا.
ومن هؤلاء (الكاذبين أو قل المخادعين) حتى يثبت العكس, 5 قضاة و28 عضو مجلس نواب، و10 وزراء، و30 وكيل وزير ومستشارا، و6 مفتشين عموميين، و87 من أعضاء مجالس المحافظات وإداراتها، و97 مديرا عاما، و176 معاون مدير عام ومدير قسم ومسؤول شعبة، و66 أستاذا جامعيا، فضلا عن 25 سفيرا و35 ضابطا.
من إذن في العراق أرفع من أن يكذب؟ قرابة عشر مجلس نوابنا (كاذبون رسميا) بحسب تقرير هيئة النزاهة. نسبة كبيرة من سفرائنا وجوه البلد وممثلوه أمام العالم, 10 وزراء كاذبون, من لا يكذب عليك أيها العراقي المستضعف؟ وكيف تثق بهؤلاء الذين يعلقون صورهم الآن محاولين خداعك لينضموا إلى فريق العارفين بالإجابة عن السؤال (من أين تؤكل الكتف؟).
من المرجح أيضا أن هناك من نجح بالفعل بالاحتيال على محققي هيئة النزاهة بطريقة مرت عليهم أو شربوها فسرى فيهم دبيبها الخفي وهم في غفلة لا يشعرون.
الكارثة الأكبر هو أن يأتينا تقرير ما، أو أخبار لاحقة, أو أن يظهر بعد حين أن هيئة النزاهة تعاني من مشكلة في (النزاهة), ترى هل هذا ممكن أو متوقع أو قابل للحصول في العراق الذي حيّر الألباب وأذهل العقول؟ (تساؤل وليس اتهاما).