يبدو أن لا شيء يثني قطر من اتمام مشاريعها السياسية في المنطقة، وبما أنها تعمل على خطين خطيرين في التأثير بالمنطقة، هما الاقتصاد والسياسية، حيث أعجبها الاستثمار السياسي في مناطق النزاع، ومحاولة رسم خرائط جديدة للمنطقة وشخصوها، فهي تحاول توظيف أي أداة من الممكن أن تشكل وسيلة ضغط، لانتزاع مكاسب جديدة.
قطر قد تبدو بوجهها الكريه للكثير من شعوب المنطقة، ولكن الرؤية السياسية توضح أن هذه الدولة الصغيرة محقة في تحركها وطموحها السياسي، فبعد أن تمكنت من امتلاك رأس المال والطاقة، تحاول أن ترسم لنفسها سياسة فاعلة في القرار الدولي، احتماء من غولين يتربصان بها، حيث يكمن لها من جهة الغرب النفوذ السعودي القابل للتمدد، فيما تنظر إيران إليها من جهة الشرق كموطئ قدم نحو الساحل الشرقي للخليج العربي.
كل هذه الأسباب تدفع قطر لاتخاذ وسيلة الهجوم إزاء جميع دول المنطقة، وبدلا من انتظار إرادات دول أخرى تهيمن عليها وعلى اقتصادها، سعت لتكون حليفا أميركيا – اسرائيليا، برضاها وقناعتها بما طرحته من خدمات، وتمويلها لكثير من المشاريع السياسية في المناطق ذات التوتر العالي، فليس غريبا أن نجد أصابع قطرية في جمهورية مالي حيث الصحراء المترامية الاطراف والبعيدة عن الدوحة، بينما نجدها في كل ثقلها السياسي في مصر الآن، ودخولها إلى غزة بمشاريع تعويضية وتوفيقية بين الفصائل المسلحة الفلسطينية، فضلا عن تواجدها في لبنان تحت غطاء إعمار بيروت.
وليس غريبا على قطر وطموحها أن تركب أي موجة توصلها لهدفها، فحين تبنت النهج "الإخواني" بعد أن تبنت القرضاوي وحولته إلى مواطن يحمل الجنسية القطرية، وأوصلته إلى مرتبة المرشد العام لكل حركات الإخوان في العالم الإسلامي، جعلها هذا التبني متحكمة في شؤون بلدان الربيع العربي الذي تقدم فيها الإسلاميون.
أما في العراق، فنجد أن قطر استقطبت قيادات سنية بارزة ذات تأثير في الواقع السياسي العراقي، لادخالهم ضمن مشروعها، حيث حاولت مع السيد النجيفي باعتباره رئيسا للمؤسسة التشريعية سحب البساط من الحكومة التي يقودها الشيعة، ولكن الرسائل التي مررت عن طريق النجيفي واجهت رفضا حتى من خصوم المالكي داخل البيت الشيعي، الأمر الذي هدد مستقبل النجيفي السياسي وعرضه لاحتمال سحب الثقة عنه، ما جعل رئيس المؤسسة التشريعية يتراجع عن اقواله التي أطلقها من الدوحة.
هذا الانسحاب النجيفي، فسح المجال أمام طارق الهاشمي، الذي يحاول أن يطرح قضيته للمساومة في أي صفقة يظن أنها ستعقد بين أي طرفين، ويسعى لأن يكون في صدارة أحداث قد لا ترتبط به من قريب أو من بعيد، فنراه يصدر البيانات ويلقي الاتهامات على الحكومة، وينسج خيوطا تجعل منه قائدا روحيا لتظاهرات المحافظات ذات الأغلبية السنية، ولا ينسى أن يطرح نفسه نائبا للرئيس، والرئاسة إحدى أهم مؤسسات الدولة كالمؤسسة القضائية التي أدانت السيد الهاشمي بـ4 أحكام بالإعدام غيابيا، يرفضها الهاشمي.
قطر استقبلت الهاشمي، وتعاملت معه بصفته التي كان عليها قبل أن يجرده القضاء منها بإدانته، تاركة له حيزا هامشيا دعائيا قد يؤثر بالحكومة العراقية، أو يجد منفذا يستطيع من خلاله إيجاد حل لوضعه القضائي، وكما يبدو أن الكتل السياسية بما فيها حلفاء الهاشمي في الأمس القريب قد تخلوا عنه، بمن فيهم اردوغان الذي يحاول أن يصلح العلاقات مع حكومة بغداد.
الهاشمي تحول إلى ظاهرة صوتية، يهدد بكشف ملفات ولا يكشفها، ويطرح نفسه زعيما سنيا بينما السنة يفاوضون الحكومة بمعزل عنه ولم يطرحوا قضيته ضمن لائحة مطالبهم.