الفساد دخل خرم الأبرة

 

المفسدون لا يخشون أحداً في غياب القانون ولا يخجلون من أحد حين أصبح الفساد عُرفاً ولا ويردعهم رادع طالما لم تصلهم القبضة الحديدية التي تحطم امبراطورياتهم ، وما داموا يحتكمون على أموال هائلة يشترون بها الذمم ويلملمون حولهم الشقاة وأرباب السجون والمرتزقة لحمايتهم ، وتتوفر لهم فرص تحويل أموالهم الى الخارج ، ويمتلكون القدرة على الهروب متى ما اقتربت ساعة الحساب ، وما دام أنصار الجياع لا يقرنون الأقوال بالأفعال .

 

وفي ظل هذه الحصانة اللاشرعية فانهم ومن معهم من الاقارب والحاشية والاتباع الذين تهيأت لهم سبل الاثراء غير الشرعي عن طريق المكاسب والامتيازات التي يحصلون عليها ، فإن كل فرص النهب متاحة أمامهم طالما يتمتعون بالسلطة والقوة الغاشمة التي تمكّنهم من الوقوف في مواجهة من يرفض أساليبهم وتصرفاتهم في نهب المال العام واستغلال مواقعهم الوظيفية والسلطات والصلاحيات التي تهيأت لهم بحكم مواقعهم السياسية والحزبية .

 

واذا كان الحيتان الكبار ينفذون الى خزائن المال والميزانيات الضخمة والصفقات الكبيرة ونسب العمولات التي يفرضونها على المشاريع ، فان سلسلة أرباب الفساد المالي تمتد من عالم الديناصورات نزولاً الى أوكار الثعابين والعقارب حتى جحور الديدان الصغيرة التي لا تبقي ولا تذر ، وهم بمجموعهم يصولون على المال العام والمكاسب والامتيازات الصولة تلو الاخرى كمن يأكل مع العميان ، ويتقاسمون (الكعكة) الى آخر قطعة فيها فلا يبقى منها شيء وباعتراف صريح عندما أعلنت إحدى أعضاء مجلس النواب بأن الكل قد تقاسموا الكعكة وكل واحدٍ أخذ حصته منها ، وهم بأساليبهم هذه أصبحوا نموذجاً للقدوة السيئة التي أخذ من هم دونهم في الموقع والوظيفة يسيرون على خطاهم فيتوجهون الى ما تبقّى هنا وهناك ، وان لم يجدوا شيئاً فعباد الله موجودون وبالامكان ابتزازهم وتنظيف جيوبهم .

 

بعد أن أجهزوا على كل شيء وأفرغوا ميزانية هذا العام الذي توّج الاعوام العشر المشؤومة ، ويكون قد تحقق الفساد بأقصى اشكاله ولم تنج بقعة منه ، وآخر ما حصل انه دخل الى خرم الأبرة .