إلى السيد فائز الخفاجي – الباحث عن حقيقة الحرس القومي



علمتُ أنكم قمتم بمناقشة رسالة ماجستير أمام لجنة المناقشة في جامعة البصرة تضمنت معلومات غير موثقة كما يقتضي البحث العلمي ، واستغرب موافقة لجنة المناقشة على قبول ذلك متجاوزة الاعراف العلمية.

معلوماتي القديمة عن جامعة البصرة أنها رصينة في الدرس والتدريس والبحث. يشهد لها كل محور علمي في تاريخها. لكن أول شيء أقوله ،اليوم ، أن من المؤسف جداً أن ينضج لديّ سؤال جديد : لماذا تحوّل - قسم التاريخ - في كلية التربية للبنات – الى منصة لإطلاق معلومات بعيدة عن الحقيقة تصاعدتْ لتطعن سمعة بعض ضحايا الحرس القومي وشرفهم السياسي والحزبي ، من قبل أحد الباحثين باسم السيد (فائز الخفاجي) .
لا أدري كيف استند الأستاذ المشرف والباحث في تحويل الآراء الصادمة عن دراسةٍ بشأن جرائم الحرس القومي في عام 1963 الى شأن آخر هو تشويه سمعة ضحايا هذا التنظيم المجرم و سمعة من صمد وتصدّى له بكل جرأة وشهامة ، بضمنها تشويه سمعتي السياسية، شخصياً، وشرف انتمائي الحزبي، من دون وثائق وشواهد وأدلة بصرية أو مكتوبة أو موثوقة ، مما يتقاطع تقاطعاً تاماً مع شرف الكاتب والكتابة والبحث العلمي، خاصة وأن الكثير ممن كتبوا مذكرات عن الحرس القومي بالبصرة ومنها مذكرات رفيقي المناضل الراحل وزميلي في سجن الحرس القومي صالح دكلة والرفيقة المناضلة زوجته وغيرهما، لم يذكروا اسمي إلا بالخير والشرف.
كنتُ قد نشرتُ مذكراتي عن اعتقالي مع رفاق وزملاء آخرين من قبل الحرس القومي في البصرة على مواقع إلكترونية عديدة منذ 1997 ثم نشرتها بكتاب تحت عنوان (نقرة السلمان) وفيها تفاصيل وافية عن الحرس القومي في البصرة . كما كنتُ قد وجهتُ نداءً خاصاً الى جميع المعنيين بتقديم ملاحظاتهم حول مضمون الكتاب وتزويده بالمعلومات الوثيقة وقد ظل النداء منشوراً منذ عام 1997 حتى عام 2009 . وردتني بعض الملاحظات اضفتها الى الكتاب الذي طبع مرتين. لا أدري هل استفاد الباحث من هذا الكتاب أو هل قام بإجراء لقاءات خاصة مع مئات من ضحايا الحرس القومي من الموجودين داخل العراق وخارجه والمذكورة اسماءهم في صفحات هذا الكتاب..؟
كما هو معروف أكاديمياً، يجب أن يكون الباحث العلمي أميناً مع الحقيقة يقف أمامها وجهاً لوجه يدقق في تفاصيلها ، حريصاً على سمعة الناس الآخرين وكرامتهم وإدانة اضطهادهم والتنكيل بهم. لذلك أطالب السيد الباحث نفسه (فائز الخفاجي) أن يكشف مصادر بحثه لمعرفة معلوماتها الموثوقة، المؤكدة ، المطلعة، التي استند إليها في تعدّيه بقسوة ظالمة على جانبٍ هام مشرّف من جوانب حياتي، التي افتخر بها، بما في ذلك افتخاري بموقفي الصلب أثناء التحقيق في الحرس القومي، الذي كنت فيه موقوفاً ، صامداً، محافظاً على أسرار حزبية مؤتمن عليها وعلى تنظيماتها وكوادرها وعلى مطابعها ، لذلك قضيتُ في غرفة انفرادية تحت التعذيب ، لمدة 8 شهور، منذ يوم اعتقالي في 19 – 3 – 1963 حتى يوم انقاذي من قبل جنود انقلاب 18 – 11 – 1963 الذي قام به عبد السلام عارف ضد الحرس القومي.
حتى بعد سقوط نظام الحرس القومي استمر توقيفي انفرادياً في مركز شرطة الخيالة مع المناضل عبد الواحد كرم (مقيم بالسويد) في غرفة واحدة لا تزيد مساحتها عن متر X متر ونصف. فهل كان الباحث فائز الخفاجي نجيباً باستقاء معلومات بحثهِ من عدد من المعتقلين الأحياء الذين ما زالوا أحياء من امثال المناضل لويس فرنسيس (استراليا) والنقيب أديب جورج (أمريكا) والمناضل الدكتور مدحت حشمت( كندا) والمناضل حسين فوزي(بغداد) والمناضل فاضل معتوق (ألمانيا) وغيرهم.
يا ترى هل فعل الباحث فائز الخفاجي مثلما فعل الباحث النجيب حنا بطاطو..! هل كانت الملفات التحقيقية الموجودة في ارشيف ديوان محافظة البصرة ومديرية امنها ومديرية الامن العامة جزءا من مصادره حيث لا يجد فيها غير موقفي في الدفاع عن الحزب وسياسته والحفاظ على جميع اسراره .
من أولى مهمات الباحث العلمي الشريف، النزيه، أن يحافظ على شرف ونزاهة بحثه وأن يكون حريصاً على شرف ونزاهة كل من يأتي أسمه أو تاريخه في سياق بحثه، خاصة وأن الباحث السيد فائز الخفاجي لم يعاني ضيم الحرس القومي ولا عذابه بينما يشوّه، من دون أي شعور بالمسئولية ، حقائق عن عذاب ونكبات ضحايا الاجرام والمجرمين. اولئك الضحايا الذين رماهم الزمان في محرقة الحرس القومي و في سراديب القتل والعذاب والجريمة الدموية حيث تمزقت بها اجساد المناضلين الشرفاء . ان رحلة صعبة في البحث عن الحقيقة قام بها الباحث فائز الخفاجي تحوّلت الى رحلة الطعن الانتقامي بقلة من زاد المعرفة في البحث الاصولي، وهي رحلة كنتُ قد بدأتها منذ زمن بعيد، ربما قبل أن يولد السيد فائز الخفاجي حيث أنني نشرتُ 41 كتاباً حتى الآن ، جميع كلماتها وحروفها تصفع الظلم والظالمين وتدافع عن حقوق الإنسان العراقي وكرامته. كما شاركت في عدد من مؤتمرات جامعة البصرة ، إضافة إلى كوني عضوا مراسلا و باحثاً في (مركز العالم الثالث – لندن) لأكثر من عامين، ولا زلت مكتسبا صفة الكاتب النشيط في جريدة طريق الشعب البغدادية الغراء لسان حال الحزب الشيوعي العراقي .
اطالب السيد فائز الخفاجي أن يعلن فوراً عن مصادر معلوماته حول ما ألصق بي من ادعاءات لا تمت للحقيقة بأية صلة، أو يغتنم فرصة أن يكون موضوعياً ، جريئاً، ملتزماً بالحق والصدق، معبرا عن حريته وتحرره من دغل الجهل والظلام ، الذي صاحبَ فترة حكم الحرس القومي ، وذلك بتقديم اعتذار رسمي يبلـّغ به جميع الحاضرين في جلسة الدفاع عن رسالته ويُعلّق في لوحة اعلانات الكلية. كما المطلوب منه نشر الاعتذار في الموقع الالكتروني وحذف جميع النصوص المسيئة لي من رسالته .
من دون ذلك أجد نفسي مضطراً إلى إقامة الدعوى القضائية أمام المحاكم المختصة لتكون حكماً عادلاً يجعل مهمة الباحث العلمي هي الدنو من الحقيقة، اولا وقبل كل شيء ، بصفاء خلق وبشهامة وبخصوبة فكرية وبكبرياء المعرفة، بعيداً عن كل شكل من اشكال الضيق والعقل المراهق والافتقار الى المعلومة الدقيقة. كما المطلوب من السيد فائز الخفاجي ان يقترب من الضياء وإدانة المُسبّب عما اصاب سمعتي وتاريخي من ظلم وعدوان في بعض سطور رسالته، وهو ظلم وعدوان على العائلة الفكرية الانسانية وعلى أصول البحث العلمي والدراسة الموضوعية .
الحقيقة الوحيدة ،هنا ، ان الظلم والعدوان لن ينالا ،حتماً، من وجودي النضالي الأبدي في صفحات الحقيقة الناصعة وفي سجل تاريخي الوطني المتواصل بالتضحيات الكبيرة، التي اكتست بلون الحديد في سجون النظام الملكي ،والحرس القومي، ونظام عبد السلام عارف، وعبد الرحمن عارف، وصدام حسين ، بما فيها تضحيات وجودي الحالي المرير بالغربة خارج الوطن اضطراراً .كنت اتوقع من بحثكم عن الحقيقة أن تقوم، أيها السيد الباحث فائز الخفاجي، بتقييم وتقدير 65 عاماً قضيتها في النضال والكتابة والبحث وليس الاساءة للنضال والبحث والكتابة كما فعلتم ، مع الأسف.
لا يكفي الباحث أن يمر فوق جسر الحرس القومي والتحديق في جرائمه البغيضة بلا أعين دقيقة سليمة. لذلك سأكون بانتظار مبادرتكم ، خلال اسبوع واحد ، بإخراج العشب الاسود المرير من بحثكم الغرير .