العراق والقسمة بلا باق |
كم كنت أحب درس الجغرافية، إذ كانت الأسئلة التي تأتي في الامتحان من السهل توقعها، كان رسم خارطة العراق سؤالا "مصوگر" وتضمن من خلاله الـ25 درجة كاملة، على ألا تمرر الممحاة كثيرا على حدود الخارطة فتسوّد الورقة من آثار قلم الرصاص، كانت الخارطة سهلة مثل "المي"؛ حدود متعرجة تتحول إلى خطوط شبه مستقيمة من جهة الغرب والجنوب الغربي، ويتوسط الخارطة نهران كانا يجريان حتى على ورقة الامتحان، يقتربان ويبتعدان ولكن لا يلتقيان إلاّ عند الجنوب. كنا نعرف أن منبع الفرات من الجنة، إلا ان كتاب الجغرافية وحده من كان يقول الحقيقة، ويشير إلى تركيا. كتاب الجغرافية كان الصادق الوحيد في كل ما درسناه من مناهج، حيث عرفنا حدود الوطن وتقسيماته الإدارية، فوق أرضه، والداء الذي يكمن في باطنه، ويجعله من الاحتياطيات المتقدمة إلا أنه لم يعد يكفي لسد حاجة البلاد. كانت الخارطة لا تشكو من علامات غريبة سوى الماء، فلا أكثر من نهرين كبيرين وأنهر صغيرة، وبحيرات، وأهوار، وخطوط متصلة وأخرى متقطعة لكل منها دلالاتها عند الجغرافيين، أما الآن فالخارطة تتقاسمها أسهم حمراء وسوداء، ويشير المحللون، أمنيون وعسكريون، إلى أماكن لم تعد تحت سيطرة البلاد، فهناك أراضٍ مختطفة ومواطنون مختطفون تحت رحمة تنظيم داعش الإرهابي، وثروات منهوبة، وآثار محطمة ومهربة، ومدن تاريخية مجرّفة. فالخارطة لم تعد خضراء كما كانت، ولا البلاد أيضاً، وكل شي فيها يقبل القسمة على الساسة وبلا باقٍ للشعب الذي يقبل القسمة على كل أنواع الموت وبلا باقٍ أيضا. إنها معادلة سهلة وقسمة ضيزى، فقد فرغت لجنة التوازن من تقسيم "المغانم" على ثلاث فئات لا غير، "الشيعة والسنّة والكرد"، وهل فعلاً سيحظى أبناء هذه الفئات الكريمة بحظهم من هذا التقاسم؟ الطبيعة التي مشت عليها القوى السياسية التي تعتقد أنها تمثل هذه الفئات، هي أن المناصب لمن والاهم وكان من ضمن الأحزاب المتنفذة، وليس للكفوء والمجتهد في اختصاصه، بل الأنكى من ذلك هي عمليات بيع وشراء المناصب داخل هذه القوى، وليس بعيداً عنا ما قيل عن منصب محافظ ديالى الذي بيعَ بمليوني دولار، وليست بعيدة عنا مناصب قادة الفرق والألوية والأفواج التي تباع بمبالغ خيالية، ليستفيد من اشترى المنصب من رواتب الفضائيين وأرزاق الجنود وبيع الأسلحة والأعتدة التي أوقعتنا، جميعنا، في كارثة سقوط مدن كثيرة تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي. إنهم يتقاسمون كل شيء في هذي البلاد، الوزارات، وكلاء الوزارات، المدراء العموميين، رؤساء الهيئات المستقلة بالاسم فقط، المشاريع الاستثمارية وغير الاستثمارية، الهبات، المنح الدولية، كل شي قابل للقسمة في بلادنا، حتى البشر تم تقسيمهم إلى طوائف وفئات، هذا مواطن شيعي ومواطن سني والآخر كردي، كما أن هنالك أقليات، وهنالك مهمشون ومتنفذون، حشديون وداعشيون، وكذلك نازحون.
|