قانون تمييز "الشهداء"

شرّع مجلس النواب تعديله لقانون مؤسسة الشهداء، مثيراً اسئلة حول تعريف الشهيد المشمول بالحقوق المقرة في القانون.

النقطة المثيرة للاسئلة هي المادة التعريفية الأولى من القانون، والتي عرّفت الشهداء بأنهم من وقع تعرض للتصفية على خلفية موقف معارض للنظام السابق، مستثنيا البعثيين الذين تعرضوا للقتل بيد نظامهم. وعرفتهم ايضا بـمن قتلوا اثناء الحرب ضد داعش من الحشد والجماعات العشائرية والسرايا المسلحة، وكذلك البيشمرگه.

من الناحية المبدئية، نجح القانون بتوسيع الدائرة التي كانت مخصصة لضحايا النظام السابق من الاسلاميين والشيوعيين وبعض القوميين غير البعثيين فضلا عن الكرد. وهو ما أثار خلافا بين اتجاهين، اتجاه يعارض التوسيع وآخر يعمل من أجله، واخيراً نجح الثاني. غير ان هذا لا يمنع أن يقال بأن الدائرة لا تزال قاصرة. حيث خرج من هذا القانون:

أولاً: المقتلون في المعارك ضد داعش من القوات التابعة للمؤسسات الحكومية، الدفاع والداخلية. وبحسب المختصين القانونيين، هؤلاء يدخلون ضمن القوانين الخاصة بالخدمة، ويأخذ ذووهم الاستحقاقات بحسب التشريعات الخاصة بالوزارتين.

ثانياً: المدنيون الذين قتلوا بيد داعش، في عمليات ابادة جماعية او استهداف فردي. لأن هؤلاء لا يندرجون ضمن من حمل السلاح في المواجهة. وهؤلاء يشملهم قانون ضحايا الارهاب والاخطاء العسكرية.

ثالثاً: من حمل السلاح ضد داعش اذا لم يكن مسجلاً لدى الحشد الشعبي او تابعاً للبيشمرگه.

رابعاً: من قتل في حربه ضد تنظيم القاعدة قبل تشكيل داعش.

خامساً: من قتل ظلماً، على أيدي جماعات مسلحة شيعية أو سنية غير مصنفة على أنها ارهابية.

إن هذه الاقسام الخمسة، هم "شهداء" بحسب التعريف السائد للشهادة في العراق. فضحايا الارهاب ينطبق عليهم ما ينطبق على ضحايا النظام السابق من المدنيين الذين تعرضوا للقتل على خلفية قومية أو طائفية. والتمييز بين الاثنين يثير علامة استفهام حول الأسباب. فلا فرق بين مدني لم يحمل السلاح ضد النظام السابق وقتل لأنه ينتمي لمذهب أو قومية، وبين من استهدفهم الارهاب لنفس الاسباب. ولا فرق بين حمل السلاح ضد تنظيم الزرقاوي وتنظيم البغدادي!

سيقال إن القانون لم يعرّف الشهيد مطلقاً، انما عرف فقط المشمول باجراءات المؤسسة، وهناك اخرون هم شهداء ليسوا مشمولين بها، انما بإجراءات لمؤسسات ودوائر اخرى. قد يصح هذا فعلا، رغم أن (ال) التعريف الواردة في عنوان "مؤسسة الشهداء" تفيد لغويا الحصر، وتشي بالكثير من المعاني قصداً أو دون قصد، لكن تمييز ضحايا داعش وسواها وتوزيعهم على القوانين المتعددة، هو تمييز بين الناس والقتلى الذين سقطوا من جرّاء الارهاب وبطش البعث. ومثل هذا التمييز لا يمكن التعامل معه على أنه عملية اجرائية ادارية، انما كفعل له دلالة على عقلية تحاول التفريق بين العراقيين وقتلاهم، حتى لو كانوا قتلوا في ظروف مشابهة.

خصوصا وإن المعلومات الواردة من السجالات على هامش مجلس النواب والحكومة والمؤسسة، تشير إلى أن حزب الدعوة عمل جاهداً على أن يبقى القانون دالاً فقط على من استهدفهم النظام السابق، ورضي على مضض بشموله للحشد والعشائر والبيشمرگه. كان يسعى ليبقي عمل المؤسسة المختصة مقصورا على المعدومين وضحايا الابادات، لتكريس الدلالة السياسية، بينما هذه الدلالة ليست مهمة دستوريا. فالمادة 14 من الدستور التي تساوي بين العراقيين، أعلى من أي دلالات سياسية أو دينية أو مجتمعية. لذلك تصنيف من قتل دفاعاً عن العراق أو بسبب انتماء غير محظور، وتوزيعهم بين التشريعات، خرق للتساوي أمام القانون.

بمعنى أكثر صراحة ان أي قانون يميّز بين "الضحايا" هو قانون تمييز بين العراقيين.