حسب اتفاقية سايكس – بيكو كانت ولاية الموصل ستضم الى سوريا ضمن حصة فرنسا لتقاسم تركة الدولة العثمانية، لكن بعد هزيمة الامبراطورية العثمانية شعرت بريطانيا التي شاركت بقدر اكبر في القتال ضد الاتراك، بأن مكافأتها يجب ان تكون اكبر، وبينما كان رئيسا الوزراء الفرنسي والبريطاني يتمشيان في حديقة السفارة الفرنسية في لندن، شَعَرَ الاول بتبرم الاخير من قسمة سايكس – بيكو، فقال له «قل لي ماذا تريد»، فقال الاخير «اريد الموصل»، اجاب الفرنسي كليمنصو «ستحصل عليها»، هكذا بهذه البساطة جرى رسم حدود المنطقة قبيل نهاية الحرب العالمية الاولى. واليوم يريدون بالبساطة نفسها اعادة ترسيم حدود المنطقة، حيث صرنا نتابع تصريحات ومقالات لمسؤولين وكتاب اميركيين واوروبيين تتحدث عن اعادة تقسيم المنطقة، الجديد انهم يتحدثون هذه الايام عن تأسيس «دولة سنية» تضم اجزاء من العراق وسوريا، ويشيرون تحديداً الى المناطق التي يحتلها تنظيم داعش الارهابي حالياً في العراق وسوريا، وبالطبع ان السيناريو يتضمن ايضاً تأسيس دولة كردية في اجزاء من العراق وسوريا. هناك اصوات بدأت تعلو في الايام الأخيرة تقول ان المنطقة، بعد قيام داعش بإلغاء الحدود بين العراق وسوريا، قد تغيرت ولن تعود عقارب الساعة الى الوراء، وبات واضحاً استثمار داعش في خلق وضع جديد حيث جرى تصنيع داعش لهذا الغرض واغراض اخرى. وفي منتصف آذار الماضي قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في خطبة له «إن المخطط الاقليمي في الشرق الاوسط الذي أحدثه اتفاق سايكس – بيكو بلغ نهايته» وتوقع ايضا ان يعود تأثير تركيا الى مناطق كانت تحت سيادتها في الماضي. وفي جانب آخر تطرقت الى هذا الموضوع صحف رائدة مثل صحيفة «فايننشال تايمز»، وصحيفة «نيويورك تايمز» التي جاء فيها ان الدولة السورية مقسمة حالياً الى ثلاثة أجزاء مستقلة (منطقة موالية للاسد، منطقة موالية للمعارضة ومنطقة كردية ذات علاقات بشمال العراق وبجماعات كردية في تركيا). ويأتي مقال جون بولتن سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى الأمم المتحدة في هذا السياق حيث دعا الى تأسيس دولة سنية تضم المناطق التي يحتلها تنظيم داعش في العراق وسوريا في الوقت الحاضر. إذا كانت اتفاقية سايكس - بيكو قد فشلت بعد مائة عام في استيعاب تناقضات المنطقة، فمن يضمن اعادة تقسيم المنطقة وفق رؤية جديدة سوف يكول الحل السحري لمشاكلها؟!. ولماذا يتعامل الاميركيون والاوربيون مع المنطقة وكأنها حقل تجارب ومع شعوبها وكأنهم بيادق شطرنج. ولا نذيع سراً اذا قلنا ان الخارطة الجديدة للعراق وسوريا هي «رؤية طائفية» تعمل السعودية وتركيا على تسويقها في الاوساط الاميركية والغربية عن طريق دراسات ومقالات وتصريحات بدأت تعلو نبرتها في الايام الاخيرة.
|