طريقا الحرير والحديد |
استخدم مصطلح «العولمة» أول ظهوره من أجل نقد التوسع التجاري الأميركي حول العالم. وحلّت كلمة «عولمة» على كلمة «إمبريالية» التي درجت لسنوات بديلاً عن كلمة «الاستعمار»٬ الذي انتهى كوجود عسكري وتحول إلى نفوذ اقتصادي. وكتبُت قبل سنوات هنا٬ أن حصر «العولمة» بالولايات المتحدة خطأ تقني أو تعبيري٬ لأن ظواهر كثيرة صار لها تأثير عالمي واضح٬ كالنفط٬ الذي إذا ارتفع أغنى وأفقر بلداًنا كثيرة٬ وإذا انخفض٬ انعكس تأثيره على مجموعة البلدان نفسها. روسيا أكبر مثال. نقرأ الآن أن الصين سوف تصرف 43 مليار دولار على تحسين خطوط السكك الحديدية للحاويات التي تنقل بالقطار كل عام من 7.000 في 2011 إلى 7.500 مليون عام 2020. وسوف تنقل هذه الحاويات نوًعا من البضائع إلى الصين٬ وتحمل المنتجات الصينية عبر إيران٬ وتركيا٬ والبلقان وسيبيريا إلى موسكو وبرلين وباريس. وسوف تربط السكة الجديدة بكين مع باكستان وكازاخستان بالهند. وهناك كلام عن أن نفًقا بطول 200 ميل سوفُيشق تحت مضائق البيرنغ لكي تمر القطارات من الصين عبر ألاسكا وكندا إلى الولايات المتحدة نفسها. كبرى الشركات الأميركية من الكومبيوتر إلى السيارات٬ تصنع ملايين السلع في الصين وتعيد تصديرها من هناك إلى بقية العالم. وما كانُيعرف في التاريخ بـ«طريق الحرير» إلى الصين على متن القوافل٬ أصبح الآنُطُرق الحديد إلى أنحاء العالم. ولا تكتفي الصين بمد الخطوط الحديدية لحمل صناعاتها٬ بل تدّشن ميناء جديًدا كل شهر٬ مع العلم أن النقل بالقطارات التي يبلغ طول الواحد منها نصف ميل٬ يظل الوسيطة الأسرع. ترفق الصين هذا التوسع الاقتصادي بالمراكز الثقافية كما فعلت الدول الأخرى من قبل. وتقيم «مراكز كونفوشيوس» كما أقامت ألمانيا «معاهد غوته»٬ وبريطانيا «المعهد البريطاني»٬ وفرنسا الملحقات الثقافية. وكما اشترى الأميركيون واليابانيون اللوحات والتحف الأوروبية من قبل٬ دخلت الصين سوق المقتنيات النادرة. لعلها أوسع موجة عولمة والأكثر سرعة في التاريخ. ولكن بكل هدوء ومن دون أن تربط الناس بينها وبين «الإمبريالية». لكننا سوف نفيق قريًبا لنرى أن أسرع نهضة اقتصادية عمرانية عبر العصور هي النهضة الصينية. ومن حيث الحجم والمفاجأة لا يمكن مقارنتها بـ«المعجزات» التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا واليابان. |