التغيير والتغبير!!

التغيير ليس سرابا أو حُلما من أحلام اليقظة , وإنما ديناميكية سلوكية تتحقق في النفس أولا , وتتجسد بالسلوك المترجم للإرادة الفاعلة في أعماق البشر.
فالتغيير الذاتي يحقق التغيير الموضوعي , وما في البشر ينعكس في محيطه , فالواقع مرآة آهليه , ومسلة أفكارهم وتطلعاتهم , ولا يمكن فصل الذات عن الموضوع , أو الفكرة عن الواقع.
ومَن يريد التغيير الحقيقي عليه أن يغير نفسه أولا , ومن يريد التغبير فأنه يُخادع نفسه ويَسخر من ذاته , ولا يقدم شيئا جديدا , وإنما مُزيفا ومتصلا بما فيه وما ينتمي إليه ويتحقق بربوع أعماقه , والذي يمضي على نهج يجني منه حوافز ومُعززات , لا يمكنه أن يغادره إلى نهج آخر يزدحم بالمضادات والمحبطات والتحديات.
والذين يتأملون خيرا من إناء لم يتغير ما فيه , يعيشون في وهم ويُخادعون أنفسهم , وينكرون بديهيات ومُسلّمات سلوكية متعارف عليها , وتتحكم بما يفعله البشر.
ومن الصعب أن تجد بشرا يتمكن من الإنتصار على نفسه , والتعبير عن مفاهيم تتعارض مع ما نشأ عليه وتربي في ظلاله , ووصل إلى ما وصل إليه بسببه , ولم ينجز ذلك إلا ذوي العزم والإرادات الإصلاحية الخالدة المنيرة في التأريخ.
ولهذا فأن العجب والإستغراب يحيط الذين يتحدثون عن فشل فلان وفلان , وعجزه عن القيام بما يجب أن يقوم به , وأن يقاتل الفساد الذي أوجده والحزب الذي أهّله , والأفكار التي تورط فيها معظم حياته , وآمن بها بإنفعالية مطلقة ووهمية فائقة لا تقبل المواجهة والزعزعة.
ومن حقائق الفئات والأحزاب أنها تلد رموزها ذات الأوهام العقائدية الراسخة , التي لا يمكنها أن تقبل التعارض والتحاجج أو الخضوع للدليل والبرهان , وإنما تكون ذات مؤهلات عاطفية عالية الدرجة والغليان , تحرق مَن يقترب إليها أو يأتيها ببيان ومُسّلمة ذات عَيان.
ومَن يحسب أنه يمتلك الحقيقة وحسب , وغيره مرجوم بالضلال والبهتان , لا يمكنه أن يفعل إلا ما يعبر عمّا يحتويه من رؤى الأنانية والقوة والقدرة على التحكم بمصير الآخرين , الذين وفقا لتصوراته يستهدفون عرشه وكرسيه وما يمت بصلة إليه.
ولهذا فأن التغيير الذي يتردد في آفاق الصفحات ووسائل الإعلام , يبدو وكأنه الهذيان , أو حث للتراب في العيون , والمساهمة في زيادة الإغبار وإشاعة الآمال الكاذبة , والتفاعلات الغائبة عن الواقع المعاش , ووسيلة لتخدير الناس , وحقنهم بأفيون الإمتهان اللذيذ.
فما هي مرتكزات التغيير , وما هي المنطلقات العلمية والعملية اللازمة لإنجازه , وماذا نريد أن نغير وكيف نغيير , وبأي الوسائل , وماذا نريد أن نحقق من التغيير وما هي مستوياته , وعوامله وعناصره ومفرداته , ومَن الذي يقوم به , وكيف نبدأ التغيير؟؟؟
تساؤلات توجب البحث للوصول إلى أجوبتها , قبل التوهم بأن التغيير مجرد كلمات وتظاهرات وتصريحات وتنقلات ومخادعات , وآليات ترسيخ لما هو قائم بأساليب أخرى تؤدي لذات النتيجة!!
فهل هذا تغيير أم تغبير؟!!