الأستاذ الجامعي والمنافسة في سوق المعلومة

ما ان تسألَ أستاذا" جامعيا" عن المستوى العلمي لطلبته ومستوى عطاؤهم حتى تراه قد اغتم وتأفف واطلق لك حسرة كبيرة تنمّ عن وجع الانسان الرسالي الذي لم يعد يجد الارض الخصبة المثالية لنمو غرسه العلمي في زمن الغفلة الثقافية والافتقار المعرفي، اذ يتفق أساتذة المدارس والجامعات والمعاهد على ان طالب اليوم يختلف جذريا" عن طالب الامس والمشكلة هنا اننا اصبحنا نستحضر الماضي وكأنه الامل في المستقبل! اذهان شاردة بسبب تماهيها مع العولمة الالكترونية واهتمامات سلبية في التهافت على تطبيقات الايفون والاندرويد الاستهلاكية ومكتبات مهجورة حاصر سطوحها غبار الإهمال، ومحاضرات جامعية أستُنسخت او كُتبت بحبر الملل واستقرت في درج اللامبالاة.
هنا يثار السؤال الأهم لماذا تراجَعَ المستوى العلمي للطالب الجامعي في حاضرنا؟ واضحى اقل من المستويات الطبيعية واقل بكثير بالمقارنة مع السنوات السابقة؟
نستحضر عدة تحليلات لهذا الوضع منها الانشغالات التي فرضتها المُعاصرة ووسائل اللهو (من اتصالات وتواصل اجتماعي) ناهيك عن الارباك المتصاعد في الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبالأخص الضغط النفسي الذي يرافق الخريجين عند اقتراب موعد تخرجهم او تخرج اقرانهم بسبب المستقبل الذي يمتاز بالضبابية او قل السوداوية(فوبيا الغد).
وفي ظل هذا الواقع اليومي المُعاش ولان الأستاذ الجامعي لا يمتلك حلول وخيارات كبيرة من اجل احداث تغيير في الواقعين الاقتصادي والسياسي المتأزم نحتاج على الاقل الى احداث تنظيم في ارادة وسلوكيات الطلبة الجامعيين عبر الخروج من نمطية الضخ المعرفي للمادة العلمية بالأساليب التقليدية ومنها الكتب او الملازم الدراسية الجامدة الى مواكبة العصرنة والحداثة والمدنية في تلقّي المعلومة والتخفيف من جرعات التلقي، بجعلها جزء من يوميات العالم الرقمي الذي انشغل به الجميع دون استثناء، فتارةً يكون هذا الاسلوب هو الحداثة او يصبح مواجهة الحداثة الضارة التي تتمثل بمنافسة تلقّي المعلومات اليومية الاخرى التي اضحت منافس شرس لتلقّي المادة العلمية الجامعية.
ان العمل على رفد اساليب التفكير المنطقي في كيفية مواجهة وسائل إلهاء رقمية معاصرة توفرت في ايدي الجميع حتى الاطفال بشكل مُرعب ومخيف لانعكاساته المتوقعة على الصحة البدنية والعقلية واضراره الاجتماعية الجسيمة، والسبب في ذلك تزاحم وسائل الاتصال التي تعد عائقا" في وجه الملقي من الطلبة وتشكلات أوقات ويوميات استيعابها او حفظهم للمادة العلمية التي تجهد الطالب وتضيع أحيانا" في وقت قصير يقع بين زمن الدرس وزمن الامتحان، قبل ان تنجز السنوات بذاكرة الطلبة فينسون من يدرسون ويتعلموه بعد فترة قصيرة.
الاستاذ الجامعي في تحدي كبير في سوق المعلومة، سوق مهتاجة بالصور والفيديوهات والاخبار والتقارير تحاصر الذهن الجامعي وتستهلك الكثير من وقته، ذلك الوقت، الذي لن يتكرر ولن نسترجع قابلياته مهما درسنا او نقبّنا في ميادين المعرفة لان زمن الدراسة الجامعية زمن مختلف فهو يحوي مزيج من الطاقة الشبابية وعنفوان الاندفاع ولمسة عمرية تعد ربيع المكتبات الفكرية وقمة نموها تلك الملكات التي قد تشيخ سريعا" بعد الولوج في مجالات مهنية ووظيفية وانشغالات اجتماعيه مربكة.
وهنا يجب ان يكون الأستاذ الجامعي اكثر مرونة في التعامل مع المتلقي المنشغل كثيرا" بوسائل التواصل الاجتماعي ان لم يكن قد ادمنها، الحل المناسب هو اتباع المثل العربي المعروف ( وداوها بالتي كانت هي الداء) او مضمون المعنى الصيني القائل (افضل طريقة لحل مشكلة اقتحامها) ذلك ان وسائل التواصل قد تكون صالحة او نافعة اكثر حينما ندخل اليها معلوماتنا العلمية ونجعل المادة العلمية الجامعية جزء من اليوميات الطالب في وسائل الاتصال التي لا يغادرها لحظة، (گروبات) او (مجاميع) للطلبة تجمع العلم بالاهتمامات الأخرى قد تنفع في ضخ محاضراتنا المنسية لتعيش مع الطالب في أجواء جاذبة ومحفّزة، يتابعها الطلبة ((حل قد ينفع ولو بنسبة محدودة حتى تكون قد استفدنا من تكنولوجيا التواصل بالعمل الجامعي والتعليم بالواسطة)).