الفارق بين إثنين |
كثيرا ما كان يُطرح سؤال مفاده.. لماذا لم تحظ زيارة الاربعينية كل عام بتغطية مناسبة من الاعلام الغربي ، ومن هو على شاكلته ، وهي بهذا المستوى من المشاركة والتنظيم والتحدي للطبيعة ، والمشاركون فيها يطوون المسافات الطويلة طيا ، بحرها وبردها ومطرها ، والارهاب والتفجيرات ، والوضع المادي ، بروح عالية واصرار على الوصول الى الهدف مهما كانت الصعوبة والتضحية ..؟..
وجاء الجواب من صحيفة الاندبندت البريطانية في مقال إنتقدت فيه بشكل لاذع الاعلام الغربي لتعاطيه المسيس مع هذا الموضوع ، وعدم إكتراثه بالقصص الايجابية الملهمة فيه ، وكان في أوانه بسبب ما يتعرض له الاسلام هناك من البعض من هجمة ظالمة ..
فلماذا يتجاهل الاعلام الغربي أعظم تجمهر بشري ديني سلمي في العالم ، وهذا السيل الجارف من الاطفال والنساء والشيوخ ، بينما يقوم بتغطية فعالية بسيطة كأن تكون تظاهرة صغيرة ، أو مسيرة لبضع مئات من الافراد ولمسافات قصيرة ، أو تجمع محدود على حد ما ذهبت اليه الصحيفة ، وهي فعاليات لا يمكن مقارنتها بكل المقاييس بهذه التظاهرة المليونية التي تتكرر كل عام بجهود طوعية فردية ، ونفقات شخصية ، ومشاركة عفوية من شرائح متعددة ، وأعمارمتباينة ، ومستويات ثقافية مختلفة ، لكنها تلتقي على هدف روحي واحد ، ألغى كل تلك الفوارق ، وتحمل رسالة واضحة عن الاسلام الحقيقي الى كل من يحاول أن يلصق به ما ليس منه ظلما وتجاوزا ..
وشاءت الاقدار أن تأتي الاربعينية هذا العام في توقيت مناسب بعد موجة الارهاب التي إجتاحت العالم لترد على كل التخرصات التي تحاول النيل من الاسلام …
إن فعالية بهذا المستوى السلمي تظهر قوة الاسلام والمسلمين ، والتقاء المشاركين على ثوابت لم تتغير منذ أكثر من ألف واربعمائة عام ، والى أن تقوم الساعة ، في رفض الظلم والظالمين ، والحكام الجائرين ، ومحاربة الفاسدين ، والظواهرالشاذة المدانة ، والتجاوز على حقوق الانسان ..
فلماذا يغض الاعلام الغربي الطرف عنها ، وهي بهذه المبادىء ، وفيها قصص رائعة من التضحية والفداء وقوة التحمل والعطاء وكل مفردات الخلق الرفيع ، وتصلح أن تكون مادة ثرية لافلام ضخمة ، لكن هوليود مهتمة بالشخصيات الخرافية ، أكثر من الابطال الحقيقيين الذين يرسمون من خلال ظاهرة الاربعينة أعظم ملحمة انسانية على حد وصف الصحيفة .. .
فهل لانسان بهذه الاخلاق الرفيعة ، والقيم العالية يمكن أن يعتدي على الأخر، أو يسلب أي حق من حقوقه ، وفي مقدمتها حقه في الحياة بأي شكل من الاشكال.. هذا هو جوهر الاسلام ، ويقوم على مبادىء التعايش والتعاون والعدل والمساواة ، والسلام والمحبة ، والسلم المجتمعي ، والتكافل الاجتماعي ، وتتجسد كلها مجتمعة في هذه الممارسات الدينية ..
فلماذا ينسى الأخر ذلك ، ويحاول أن يشوه صورة الاسلام عمدا وخلاف طبيعته ، ولا يعترف بأن ما يظهر من حالات غريبة ، يقوم بها من يدعي الانتساب اليه ، وهو منه براء.
لقد كانت الملايين تطوى الارض تحت أقدامها شوقا ، ليس طمعا في جوائز ومغريات ، كما هي عادة المسابقات في قطع هذه المسافات ، ولم يتجمعوا بدعوة في منشور، أو بيان حكومي ، أو توجيه سياسي ، أو ديني ، فلم يدعهم داع غير الحسين .. تهفو اليه الارواح ، وكأنه حي بينهم ، يشكون اليه ما حل بهم .. يئنون من وجع الارهاب ، وسياط الفقر ، وسيوف الغربة ، وخناجر النزوح ، وذل الحاجة ، وتفشي الفساد ، والخوف من المجهول ..
والفضل في هذا التجمع الكبير يعود للمحتفى به ، ويسجل النجاح للمشاركين في هذا الزحف الجماهيري تنظيما وجهدا ونفقات ، وقوة قهرت المستحيل ..
وبعد كل مناسبة ينبري الاخرون في الجهد المساند لحصاد نتائجه الايجابية مباشرة .. ..الحكومة تبرق فورا للاجهزة الامنية تبارك لها جهودها الكبيرة ، وهو حق مشروع … والاجهزة الامنية تعلن بفخر نجاحها في خطتها لتأمين الزيارة وهو جهد مشكور…
وهكذا لبقية المساندين من كل الاجهزة الساندة ..
ويبقى عائد المشارك ( الماشي ) على قدميه ، قاطعا في أيام وليال طويلة مئات الكيلومترات ليصل الى كربلاء … فما هو ؟؟..
وما هو حصاده من هذه الفعالية الايمانية ، المعنوي والروحي ..؟..
وهل يوازي تلك الجهود والتعب والتضحيات …؟..
وما هي مكافأته ..؟..
يفترض أن تكون هذه المناسبة بمثابة تمرين حي أو ( مناورة تعبوية ) للمشارك في مواجهة النفس ، ونزواتها واطماعها ، وغرورها لتعزز تلك الصورة المشرقة مستوى الايمان الشخصي ، والتمسك بجوهر الاسلام ومبادئه العالية التي تدعو الى الفضيلة والخلق الرفيع .. ومدرسة تخرج كل سنة نماذج مشرقة تناسب هذا العدد المليوني ، في البيت والشارع والمحلة والمؤسسة ، في السلوك القويم والاخلاق الحميدة والعمل باخلاص وتفان ، وفي التضحية والايثار ، وقوة الارادة والصبر أمام المغريات المادية و إشاعة روح التسامح والعفو والعدل والتكافل والتعاون ، والامانة ، ومحاربة الفساد والفاسدين ، والظلم والظالمين ، ونبذ العنف والتجاوز على حق الأخر والمال العام والشخصي للغير ، ويكون نموذجا رائعا في تعزيز الوحدة الوطنية ، ورفض الطائفية ، بحيث يشعر الجميع بهذا التغيير الملحوظ في سلوك المشارك ، بعد كل مناسبة تمر ، ويتحول الى نموذج حي متحرك بينهم في تجسيد تلك القيم ، ويعيش معهم ، حاملا لكل تلك الصفات التي تؤطرها الروح الوطنية ..
وما أجوجنا اليوم الى هذه النماذج الراقية …
وبذلك تكون الاربعينية ممارسة ايمانية ، وموعدا ينتظره المسلمون بشوق ، وليس ترفا في الوقت والجهد الضائع بدون عائد شخصي وجمعي ووطني ، وليس تمرينا شاقا ، يجرب به المشاركون قوتهم ، وينتهي بانتهاء المناسبة ، بعودة الملايين الى ديارها ، لتعود النفس الى سابق عهدها …
ذلك هو الهدف ، وهو ذاته طريق الحسين ( ع ) …
وذلك هو الفارق بين المنتسب الحقيقي بالفعل ، وبين من يدعي الانتساب بالقول..
والبون شاسع بين من يستفيد من الاربعينية ، وتكون له زادا معنويا وفكريا ، ويكون نصيبه الثواب ، وشرف الانتماء الذي يترجم بالسلوك والخلق الرفيع والعمل المخلص البناء ، وبين من لم يكن عائده منها غير التعب ، وتحمل المشاق دون جزاء ، عندما لا تنعكس على سلوكه وخلقه وعمله بالشكل المطلوب ..
وشتان بين الاثنين ..
كلام مفيد :
اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك ، أو أضل في هُداك ، أو أذل في عزك ، او أضام ( أظلم ) في سلطانك ، أو أضطهد ، والأمر اليك .. اللهم إني أعوذ بك أن أقول زورا ، او أغشى فجورا ، أو أكون بك مغرورا .. (( دعاء للنبي محمد (ص )…)).
|