مرة كتبت هنا عن ان أصعب وضع على الكاتب حين يجد نفسه مثل ذلك الذي صاح بقومه "مكدر اكولن بغلتي ببريجي". اليوم أجد نفسي مجددا بالوضع ذاته في هذا الصباح الذي أكتب فيه هذا العمود وأنا أرى الكل يسأل ويجيب نفسه عن مصيبة داعش. جرب ان تجيب من يسألك بالعراقي الفصيح: ما تكلي شنو قصة داعش؟ لا تتعب وتجيب لأنه يمتلك الجواب. سألك ليرى ان كان جوابك مثل جوابه. فإن وجده مختلفا فسيشلع قلبك ليقنعك او يفرض عليك الجواب. المريح في الأمر فقط هو إنه يدرك بان داعش بكل ما فيه نتيجة وليس سببا. لكن عند الدخول في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تأسيس داعش ونموه واحتلاله لثلث العراق وقتله مئات الآلاف من أهله تفجيرا أو ذبحا او رميا او حرقا، تشبج الشغلة وتشتغل العنتريات. كل هذا الذي تسمعونه من أميركا وروسيا مرورا بفرنسا وبريطانيا وألمانيا مجرد مسكنات لا تستأصل سبب العلة. وكل هذا الذي تسمعونه في العراق أيضا من جهد حربي وسياسي للخلاص من دولة داعش قد ينجح في طردها، لكن احتمال عودتها من الشباك يظل وارداً. اليوم انتبه العالم، واشك في انتباهه، الى ان محاربة داعش في الجو لا تنفع اذ لا بد من قوات أرضية. زين والمفخخات، والانتحاريون شلون؟ ثم، كيف نضمن ان هذا الطفل الذي ولد اليوم او الذي عمره ست او سبع او عشر سنوات لا يصبح داعشيا عندما يكبر؟ هو شنو الداعشي باختصار؟ إني أراه إنسانا تم غسل دماغه وإقناعه، لأنه يصلي ويصوم ويلتزم بالفرائض، بانه أفضل من الآخرين ويحق له ما لا يحق لغيره. من هنا صار يحق له ان يحكمك ويتحكم بمصيرك. ويرتفع سقف الحق عند بعضهم فيعمد الى تفجير نفسه لقتلها وقتل الذي يراه مخالفا له ليضمن الجنة وينعم بحورها العين. تذكروا، وأنتم خير العارفين، بأن غسل الادمغة لا يتم الا باستعمال أدوات خاصة تحت ظروف خاصة أيضا. من هنا أقول بانك لو أدخلت مليارات من القوات البرية ومثلها جوية وما يعادلها بحرية دون ان تستهدف تلك الأدوات وتدمرها فلن تخلص من الدواعش. وأن خلصت منهم اليوم فسيعودون بثوب آخر عن قريب. لو سألتموني: ما هي تلك الأدوات وكيف يتم تدميرها؟ جوابي لكم: سوري! ليش؟ لأن بغلتي رجعت ببريجي يا أصحاب.
|