الدبلوماسية العراقية ، والفترة المظلمة

لا يخفى ، ان الدولة ككل بوزاراتها ومؤسساتها ، تمر بأحلك فتراتها منذ وجودها على هذه الأرض ، فمؤسساتها مجرد يافطات على أبنية  دون نشاطات ، خدمية كانت أم أمنية ، وتلك التي تمس حياة المواطن في الداخل ، وصارت كالورم العائل على جسد هذا الوطن ، لكني هنا بصدد التحدّث عن الدبلوماسية العراقية .
منذ عام 2003 ، وانبثاق ما يسمى (بمجلس الحكم) ، اديرت الدبلوماسية العراقية  وفق توجّهات مريبة ، بعيدة كل البعد عن ارادة الرأي العام ، وصارت تعمل (ان كان لها عمل) بمعزل تام عن واقع ومتطلبات الحياة في البلد ، الا لعنة الله على الشفافية وسنين الشفافية ، فما أن سمعنا بهذا المصطلح الكئيب ، حتى ازدادت أجوائنا عتمة وظلاما !.
أتذكر تلك المداخلة الصحفية مع السيد (جلال الطلباني) ، عنما صار رئيسا لمجلس الحكم من قبل أحدى الصحفيات ، عن البرامج المستقبلية لدولة العراق ، فيما يخص التلوّث البيئي ، وعن سبل مواجهة تفشّي مرض السرطان عند الأطفال في محافظة البصرة ، بسبب استخدام قوة الأحتلال لليورانيوم المنضب منذ العام 1991 ولغاية 2003 بأعتراف الغزاة انفسهم ، فأخرسها بأجابة مقتضبة صارمة ، تنم عن انزعاج السيد رئيس مجلس الحكم  وكأنه سؤال في غير محله :  (هذي اشاعات) ! ، والسبب بسيط جدا ، أن السيد جلال بعيد كل البعد عن كون هؤلاء أطفاله ، وكأنهم من المريخ ! ، وأن أجابته لا تخلو من ذكاء ، فالرجل يعلم ، أن سطوة الدكتاتورية  ورعبها لايزال معشعشا في عقولنا فاستغل ذلك ، وربما لهذا السبب سكتت المراسلة وهي تداري الأحراج ! ، والرجل يكذّب ضمنا مئات الحالات المأساوية لهؤلاء الأطفال ، وتقارير المنظمات البيئية العالمية .
ثم تربع السيد (هوشيار زيباري) على رأس الدبلوماسية ، الى ان ابرمت الصفقة الكارثية مع الكويتيين ، وقد طواها النسيان دون مسائلة ، تم بمقتضاها التنازل عن اراض عراقية لصالح الكويت ، ومسألة ميناء مبارك ، رغما عن الأرادة الجماهيرية ، وانتهى المطاف بالمواطن العراقي ، وهو حامل لأسوأ جواز سفر في العالم !.
لم نسمع يوما بنشاط الدبلوماسية عن مشكلة المياه التي تهدد بزوال بلد بأكمله ، لم نسمع بأحتجاجات شديدة اللهجة على دول تتعاطى الأرهاب وتصدره وقد تحول البلد بسبب سياساتها الى انهار من الدم .
واستلم السيد الجعفري مهامه كوزير للخارجية ، لكنا لم نلمس ذلك النشاط الذي يجب أن يكون محموما ، فسارع الرجل بتكذيب عشرات افلام الفيديو الخاصة الحشد الشعبي وبالدليل ، عن تورط ما يسمى بالتحالف الدولي في مساعدة داعش ، ثم أثبت الروس ذلك بالادلة القاطعة ، وقبل أيام أصدرت وزارة الخارجية بيانا خجولا عن احتمالية تقديم  شكوى للعراق على تركيا (ان) ثبت تورطها بالأتجار بالنفط الداعشي ، رغم الفضائح المدوية ! ، ويبدو أن الرجل لا يميز بين الشيطان والملاك ، لأنه وصف حكومة من الشياطين الفاسدين ، على أنها حكومة ملائكية !
بلد مباع ومستباح  لكل من هب ودب ، تركيا تدخل الموصل ، الحكومة العراقية تحتج ، تركيا ترد ان التدخل تم بالتنسيق مع بغداد ، بغداد تنفي ، تركيا ترد انه اتفاق مع التحالف الدولي ! ، هل هنالك استصغارأكثر من ذلك !؟.
كثيرا ما استُخدم مصطلح (المحاباة) في نقد السياسة الخارجية ، وهو مصطلح عراقي بأمتياز، كونه غير موجود وغير معمول به على الأطلاق في العلاقات الدولية ، وأرى أن هذا المصطلح ما هو الا تسمية براقة للخيانة والكسل وسوء ادارة الأزمات على حساب قضايا مصيرية ، فالسياسة الدولية يجب أن تكون قائمة على المصلحة ، والمبادئ الأنسانية ، والسيادة ، وهو ما تفتقر اليه سياساتنا الخارجية !.
الثقل هائل على الدبلوماسية ، فالبلد لا يمتلك ارادة أو سيادة ، بلد مستَصغَر ، تتقاذفه الأطماع  ومعتدى عليه ، بلد يعصف به الأرهاب والأحتلال الذي يكشف عن تورط كل الدول ،  الأجدر ان تتحول تلك الدبلوماسية الى خلية نحل ، تمتد فروعها الى كل دول العالم ، بدلا من الخضوع والعمالة  ليرى العالم ، ان دبلوماسيتنا نشيطة وذات صوت عال يملأ الدنيا في كل المنابر الأممية  ، وأن هنالك هيبة  وخطوط حمراء ، بدلا من الأنهماك في التنظير في مبدأ (الكونفوسيوشية) ، لأننا نعترف ، اننا لا نرقى الى العمق الفلسفي للسيد الجعفري ، بقمقمه الذي تحول مارده الى (طرشي) في جرّته رغم احتياجنا اليه منذ سنين ، ولربما سيخرج مارده هذا ، بعد أن يُنفخ في الصور !