في الشر نجاة حين لاينجيك إحسان

"العصا لمن عصى" مثل ينصاع لنا لو طبقناه بحذافيره كل معوج وشاذ عن الطريق السوي، إذ أن بعض المنحرفين بأفكارهم لايرعوون ولايرشدون الى الصواب بالكلام الطيب والنصح المؤدب، فهم لاينطبق عليهم المثل القائل: "الكلمة الطيبة تطلع الحية من الزاغور"، بل يتجسد فيهم المثل؛ "دوه العكرب النعال". وقد سئل برناردشو يوما عن أسس السعادة فقال: "أسس السعادة خمسة؛ المال.. المال.. المال.. المال.. المال". سأقتبس مقولته هذه، وأوظفها في قولي ان أسس النجاح في إدراة البلد وأسّ الحفاظ عليه عشرة؛ "القوة، القوة، القوة... وعاشرا القوة". أقول رأيي هذا ونحن في القرن الواحد وعشرين، في عصر ارتقت فيه وسائل العيش وتقنياته الى مايقرب من الخيال. ففي قانون الغاب حيث أجناس الحيوانات كثيرة، تتنوع القدرات فيما بينها في الدفاع عن النفس، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمعها هو عنصر القوة، وبذا يكون البقاء في عالم الحيوان للأقوى. أما نحن أبناء آدم، فقد ميزنا الله عن باقي المخلوقات واختصنا بالعديد من النعم أولها العقل ومايحمله من حنكة وأفق في التفكير والتدبير والتخطيط لخطواتنا وماتؤول اليه أعمالنا، وبهذا ما عاد البقاء في المجتمع البشري يقتصر على دور الأقوى فقط، لاسيما ونحن في عصر العلم والتكنولوجيا، فحلّت وجوبا أدوار الأصلح والأفلح والأفضل والأكمل والأتقى والأنقى والأفهم والأحكم والأقدر والأجدر، مجتمعة جميعها في آن واحد وآنية واحدة من غير إسقاط دور لأي منها، ليكتمل بناء المجتمع ويطّرد تقدمه ورقيه مع الزمن كمّا ومع باقي المجتمعات نوعا. شرط ان يبقى دور القوة ملازما للأدوار كلها.

اليوم في عراقنا الجديد أرى ان جميع الأدوار التي ذكرتها موجودة بشكل كامن داخل كل فرد سوي من أفراده، وبامكانه بذرها على أرض الواقع، على أن تكون تلك الأرض خصبة ومهيأة لاستقبالها. باستثناء نفر ليسوا من الصلاح والفلاح بشيء لأنفسهم او لأخوانهم العراقيين او للبلاد. ومن سوء حظ العراقيين عقب تحريره من براثن النظام السابق، ان يكون لهذا النفر منصب ومقعد وحقيبة، وبالتالي تكون لهم كلمة وموقف وقرار وتحكم بمقدرات البلد. وهم ألد أعداء العراق قلبا وقالبا ومخبرا ومظهرا، حيث يتدرعون بحجج الوطنية والحرص على مصالح البلد وفي الحقيقة هم يتأبطون له شرورا، فيما هم يرتدون زي الصديق والمحب، وهم كما قال المتنبي:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث يبتسم

وقطعا هم يتخذون من الحرباء ونهجها نقطة شروع، ينطلقون منها في تحديث أساليب العداء وأدواته وأنواعه، فيستحدثون من فنونه الجديد والغريب، وهنا ينحسر علاجهم فيقتصر على دور القوة فقط، ولن يجدي الكي حينها إن كان آخر الدواء..! بل يجب ان يكون أوله.

هو نداء إذن..! من العراقيين يطرقون به صناديق الشكاوى في أبواب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، أن طهر المناصب العليا من الأشرار، بالقوة ثم القوة ثم القوة، ولا علاج غير القوة، ولن يتم هذا إلا باتخاذ الحزم والصرامة بالقرارات، لابالتراخي والتماهل والمحاباة، كما أن إصدار الأوامر ليس بكافٍ، مالم ترافقه أفعال حاسمة آنية لارجعة فيها، وإن كان التخوف من العجالة في اتخاذ القرار هو أسباب التلكؤ والتأخير، فإنك بهذا النهج إنما تفسح المجال والأبواب على مصاريعها أمامهم لاتخاذ تدابيرهم في الإفلات من العقاب والتملص من القانون، وتكون إذاك شريكهم في ما يفعلونه، وحينها سينظر المواطن اليك واليهم على حد سواء في الجرم والخطيئة والإفساد، والخشية أن يكون المرؤوس هو الذي يتخذ القرارات حين يتباطأ فيها الرأس، وكما قيل؛ "في الشر نجاة حين لاينجيك إحسان".