لماذا يعتقد الكثير ان العراق سيظل عصيا على التقسيم ؟ وانه ليس السودان وليس يوغسلافيا ولن يكون الاتحاد السوفيتي او عشرات الامثلة لدول مزقها الصراع الطائفي او العرقي فتحولت الى دويلات لها اسمها الجديد على الخارطة ، اسم يتعامل معه العالم يوميا ؟! ..
. هل يثقون بديمقراطية العراق ودستوره الذي كتب تحت هاجس الخوف من الماضي الحزين ام يؤمنون ان العملية السياسية ستكون صمام امان لحفظ وحدة العراق ، تلك العملية التي لم تتمكن من صيانة دم العراقيين وكرامتهم وجعلت بلادهم فريسة لحرب اهلية جندت لها كل قوى المال والطغيان والظلامية لتقهر ارادة الشعب ، ام يعتقدون ان العديد من القوى التي باتت تتسيد المشهد السياسي وتعبيء عقول الشباب بكل شحنات الفرقة والكراهية يمكن الرهان عليها في بقاء العراق موحدا . عقد على سقوط التمثال وتحرر العراقيين من عبودية ذلك النظام الدكتاتوري ، ولم يزل العراقيون مختلفون على تسميته فبينهم من يراه احتلالا وبينهم من يراه تحررا . وبينما يحتفل العراقيون بأنقسام واضح في الرؤية والتسمية مع حدث يوم التاسع من نيسان تستمر المظاهرات التي تشهدها المدن السنية لتعكس بوضوح واقع ازمة العراق وتحدد الى حدما وجهتها وبغض النظرعما اذا كان وزير المالية المستقيل رافع العيساوي هو من اشعل فتيلها ، خوفا من تكرار سيناريو نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي السابق المحكوم بالاعدام ، او كانت المظاهرات قنبلة موقوته وجاهزة وكان بالامكان تحريكها بواحدة من الخطب الحماسية التي تاجج الغضب العارم في الصدور . مائة يوم من المظاهرات هزت المدن الغربية والقت بثقلها على بغداد ، ولاول مرة استمع الشيعة لخطاب سني بلغة تجاهر بطائفيتها وهو امر لم يعتد عليه العراقيون فلطالما كان السنة يبتعدون عن الخطاب الطائفي ويؤكدون على الخطاب الوطني . ومع قسوة الخطاب الذي تبادله السنة والشيعة ساسة ورجال دين غاية في التطرف لكنه لم يكن سوى تاكيدا لحالة الانقسام الذي يعيشه المجتمع ،ولم يتمكن الدستور الذي كتبه اشخاصا مشدودين الى الماضي بكل ماسيه ان يقنع هذا المجتمع باهمية التعايش ،. ومع الضغط العنيف الذي تمارسه الدول المجاورة في العراق وتجد في رخاوة النسيج المجتمعي فرصا لاملائتها على دولة تعيد بناء نفسها وتجد فيه فرصة لحصد المزيد من المكاسب وفرض اجنداتها من دون عناء كبير، يزداد الانقسام وتضيق فرص اعادة اللحمة الوطنية وترميم جسد مجتمع اثخن بالجراح . وبينما يغلي الشارع السني بتظاهراته المتواصلة فأن الشارع الشيعي صار يبتعد كل يوم عن رأي قياداته الدينية والسياسية التي يتهمها بالعجز عن حمايته من عمليات القتل المتواصلة سواء بالمفخخات التي تطال الناس البسطاء او بسواها من الات القتل الفردي والجماعي . والسؤال هل تريد الحكومة الحفاظ على وحدة العراق بكل تناقضاته وباي ثمن ؟! ، بشعب منقسم طائفيا ولايثق ببعضه البعض ويتبادل متطرفون فيه القتال يوميا اما على المنابر الاعلامية او الدينية او على الارض حيث تسبح بغداد ومدن اخرى بشلالات الدم وحيث انقسام كبير على شكل الدولة العراقية ، ورفض لدستور فيه الكثير من العيوب والثغرات ، دستور بات عاجزا عن حللة ازمات الدولة بل انه كان سببا مباشرا في تعميق تلك الازمات . عقد على نهاية الدكتاتورية والعراق لم يستقر ولم يتمكن من تشكيل حكومة يمكن ان تحظى بثقة السنة والشيعة معا ، وما التظاهر الا جبهة مقاومة اخرى لهذا العراق المختلف عليه ،تعكس الانقسام الذي يضرب في الصميم مستقبل البلاد . ويطرق المشهد الاقليمي الضاغط على العراق بقوة على عرى الوحدة ويدك بعنف الجهود التي اعيتها الحيلة لوقف الانهيار ومنع الانزلاق الى الهاوية . فدخان دمشق بات يصل الى بغداد رغم ماتخذته الاخيرة من مضادات وتحصينات لمنع وصوله وتقليل تأثيره ، واعلام الجيش الحر التي رفعت في الانبار والموصل ، لم تكن رغبة سنية باستفزاز الشيعة ، كما ان صور الزعماء الدينيين الايرانيين التي تعلق على مقرات ومكاتب بعض الاحزاب الشيعية ، ليست مجرد استفزازا للسنة كلا الطرفين عبر عن خطاب قاس نسف مفهوم التعايش بين الجانبين وعندما يكون المتطرفون هم من يرفع راية التصدي ، فانه ليس من المستحسن ان يضلل الكتاب الحالمون قراءهم بتحليلات رومانسية عن عراق الوحدة والتاريخ ، هذا العراق لايعاني شيعته من الظلم ولايعاني سنته الظلم ، بل العراق وحده يعاني الظلم من زعماء ومتطرفي وسياسي الشيعة والسنة لاسيما اولئك االمعبأون بالكراهية الذين يظنيهم البحث في قواميسهم عن مفردات المحبة والسلام والاخوة والتعايش تلك القواميس التي تمتلا بكل عفونة التاريخ والرجعية والطائفية العمياء والكراهية وبكل الاحاديث الموتورة والمزعومة والتي لاتبني دولا ولاتحقق مطلبا سياسيا او انسانيا قدر ماتدفع باناس يعيشون خارج نطاق التاريخ الى واجهة الحدث والقرار ، وهؤلاء هم الذين سيقودن العراق الى الانقسام ، فاثار المحاصصات والخطابات المعبأة بالكراهية والظلامية والتهميش وانعدام الثقة وبروز شخصيات ليست على مستوى عال من التسامح وسمو الاخلاق هي التي قادت العراق الى الخراب ، فلماذا لايصدق الناس ان هؤلاء الذين يستحضرون حروب البسوس في خطاباتهم لن يذهبوا بالعراق الى التقسيم . ماهي الضمانات ان هؤلاء لايجرون البلاد والعباد الى الهلاك والدمار .. انتبهوا ايها السادة العراق يواجه حقا خطر التقسيم . |