فائض العمل، رأسمال فائض، فلنستثمره


لا يخفى على الجميع ما تعانيه وزارات الدولة وشركاتها من ترهل وظيفي، او ما يسمى بالبطالة المقنعة التي لا تحمل معها سوى امراضها ونتائجها الضارة القاتلة. فكما ذُكر مراراً، فان الدراسات تشير ان المعدلات لا تتجاوز الـ20 دقيقة عمل منتج في اليوم الواحد.. ومع افتراض ان العمل المنتج هو ساعة واحدة وليس كما تشير تلك الدراسات، فمعنى ذلك ان الدولة لو طلبت من (2.5) مليون من العاملين فيها، الذين يتجاوز عددهم الـ(3) مليون البقاء في بيوتهم مع دفع كامل رواتبهم، فان ذلك سيوفر على الدولة نسبة عالية من اكثر من (8) ترليون دينار مخصصة في موازنة 2016 من مصاريف تتعلق بالمستلزمات الخدمية والسلعية والمصاريف الادارية. عدا عن الرشد الذي يسببه ذلك في سرعة وجودة انجاز الاعمال، ومحاربة الفساد، وغيرها من فوائد. ناهيك عما يوفره للعاملين انفسهم من اجور مختلفة كالنقل والملابس والحضانة ومستلزمات السكن القريبة، وتوفير في استهلاك الوقود الذي تدفع الدولة جزءاً مهماً من كلفه، الخ.
سيبدو الامر مضحكاً/مبكياً في آن واحد ان يجلس (2.5) مليون مواطن في بيوتهم، ليضافوا الى اكثر من (3) مليون متقاعد، ما زالت اعداد كبيرة منها قادرة على العمل.. ثم ليضاف ذلك كله لاعداد اخرى كبيرة من المتعاقدين، ومن الذين يتسلمون مخصصات الرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية، فأي اقتصاد هذا.. وهل يمكن حقاً الاستمرار في تحمل مثل هذه الظاهرة التي تتضاعف في كل يوم مع ازدياد العاطلين عن العمل، والذين سيخترقون التعليمات والضوابط التي تمنع التعينات بشتى الوسائل، تماماً كما يخترق المهاجرون الحدود الاوروبية طلباً للنجاة والبدء بحياة جديدة.
لو كان العراق بلداً اشتراكياً حقيقياً كما كان يدعي، لجندت هذه الاعداد الفائضة نحو مواقع العمل والانتاج في المزارع والمصانع في نظام صارم وخطط محددة.. لكن النظام لم يكن "اشتراكياً" بالامس، وهو ليس حراً او "رأسمالياً" اليوم، رغم ان القوانين والتشريعات والتعليمات والتربية والثقافة الادارية والوظيفية والشعبية الموروثة من النظم السابقة والنافذة في معظمها، ما زالت صارمة وجامدة ومعرقلة وخالية من اية هدفية انتاجية. فلو حُررت هذه التشريعات والتعليمات، وجعلت الانتاجية احدى اهم اولوياتها.. ولو تطورت الثقافة والتربية الادارية شعبياً ووظيفياً، فان هذه الاعداد المدفوعة الثمن من العاملين، والمليئة بالخبرات من علماء ومهندسين وكوادر واختصاصات مختلفة، يمكن ان يكونوا خير رأسمال لاي مشروع جديد. فالرأسمال في تعريفه الاساس هو عمل سابق. فهل آن الاوان ان نكسر هذه الحلقة المفرغة القاتلة، ونحرر عقولنا وقوانين عملنا من مفاهيم وممارسات برهنت عن فشلها؟ ام نستمر في نقاشات عقيمة وحلول ترقيعية ستعمق من الازمة بدل ان تحلها؟