تحالفات كتلنا على الإثم والعدوان

لاأظن إنسانا سويا ينكر ما للتعاون والتحالف والتكاتف من غلبة وقوة يتحققان لدى المتمسكين بها، عكس الفرقة والشتات ومايخلفانه من ضعف لدى أية مجموعة، وقد قالها معن بن زائدة في قصته المعروفة ناصحا أولاده:

كونوا جميعا يا بني إذا اعتـرى

خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت أفرادا

ومن البديهي أن مجتمعنا العراقي اليوم بأمس الحاجة الى هذه المقومات، لاسيما بين رؤوس الحكم ومسؤوليه الذين يتبوأون المراكز العليا في البلد، وكذلك الكتل والقوائم التي من المفترض ان يكون صوتها واحدا ويدها العاملة بها واحدة متجاوزة الخلافات التي بينها، فضلا عن الابتعاد عن المنافع الشخصية والفئوية، بغية الوصول الى استقرار سياسي لتحقيق الغاية المنشودة الأولى وهي استقرار البلاد برمتها، ليتسنى الالتفات الى البناء والإعمار بعد عقود التخلف والتأخر عن ركب الأمم. وقد نحى برلماننا العراقي في حزيران من العام المنصرم منحىً إيجابيا -وقلما يفعلها- في التعديل الذي أجراه على قانون الانتخابات آنذاك، إذ فتح أفقا جديدا ومجالا رحبا، لمن يريد التآلف والتكاتف من الكتل الصغيرة والقوائم من التي لم تحظ بـ 100 ألف صوت، فمنحها مساحة أوسع آنذاك للحصول على الأصوات التي تمكنها من دخول العملية الانتخابية ، فكان هذا داعما لروح التكاتف والتآرز بين القوى الصغيرة، لتكوين قوة كبيرة بإمكانها تحقيق الأهداف المشتركة والإيديولوجية المرسومة في برامجها كما ينبغي. إلا أن الذي حصل -ومازال يحصل- في العراق الديمقراطي الجديد، هو ائتلافات وتآزرات وتكاتفات وتعاون يهدف الى مالايصب في مصلحة البلاد والعباد، كما ان الغايات في هذا تتباين بين ظاهر وباطن، فأما الظاهر فهو خدمة العملية السياسية، وتعديل الانحرافات فيها والتلكؤات التي رافقتها، وكذلك تقديم أكثر مايمكن تقديمه لإسعاد المواطن -العزيز والحبيب على قلوبهم- من خلال مسميات كثيرة وعديدة. أما الباطن فهو باطن بعيون صانعيه، بينما هو في الواقع لم يعد باطنا كما يخاله البعض وماعاد معناه (في قلب الشاعر) كما هو من قبل، فقصائد جميع الكتل والقوائم باتت مقروءة ومسموعة لدى أبسط مواطن عراقي، إذ ولّدت لديه التجارب السابقة قوة حدس وسرعة بديهة، تمكنانه من الحكم على مجريات الأحداث بشكل صائب.

ولما هو معروف عن العراقي طيبة قلبه وحسن نياته، فقد ظن البعض ان هذه التحضيرات والاستعدادات بين الكتل والقوائم تصب في صالحه، ولم يدرِ ان المبطن من عملية التآلف لايبشر بخير له، فـ (طبخة) انتخابات عام 2014 بحسابات أرباب الكتل هاقد أتت أكلها اليوم بعد مايقرب عاما ونصف العام، بعد إتمام طهيها على نار هادئة، لتحقيق غايات أحزابهم أو الجهات التي ينضوون تحت جلبابها، وخير مثال على هذا شذوذ بعضهم ونأيهم عن القرار الصائب في قضية التجاوز التركي السافر، بإرساله قوات من جيشه الى الأراضي العراقية، إذ ظهرت كل كتلة على حقيقتها وانكشفت النيات المبطنة من تحالفاتها السابقة مع كيانات كانت تدعي وقتها خدمة البلاد والعباد، وهي اليوم تبرر اعتداء تركيا هذا وتسبغ عليه أعذارا واهية، قاصدة بها غير غافلة، والإشارة الى هذه الكتل لاتحتاج إيماءً او إصبعا للدلالة عليها.