تحاول تركيا جاهدة بكل قوتها فرض نيتها عزل منطقة في شمال سوريا لتمكنها هي بالذات من السيطرة على الامور و فرض قوتها و رايها على الحلول المستقبلية لقضية سوريا، و ليس لمساعدة المعارضة السورية التي تعلنها و تتحجج بها . كانت على وشك البدء بما اتفقت مع امريكا عليه و اقنعتها على مساعدتها مقابل موافقتها على استخدام قاعدة انجرليك في العمليات العسكرية . غير ان ما لم تحتسب له انقرة هو القوة الموجودة على الارض ان لم تتدخل هي و اعتمدت على من دربته من جهة، او لم تظر بعين التقيم الجدي الى القوة الكوردية التي تعلم بكل مساحات الارض في شمال سوريا، و ان تدخلت تركيا مباشرة سوف تجابهها و اهل مكة ادرى بشعابها، و هذا ما يساعد على الارض في ترجيح قوة اي طرف من جهة اخرى . مهما كانت الاسباب و اقتنعت امريكا، فان مصير التدخل التركي لا يمكن ضمان نجاحه الا بقوات جوية و برية تركية تتدخل مباشرة، و دخول قوات المعارضة المدربة من قبل خير مثال على فشلهم في تلك المنطقة، وفي الوقت كان الكورد مشغولا بالقتال الشرس لداعش اكثر من اليوم . اما الفرصة اصبحت اقل بعدما غامرت تركيا و تهورت في اسقاط الطائرة الروسية و قلصت امامها احتمال نجاحها في فرض تلك المنطقة و ان وافقتها امريكا، لانها لم تدرك بان امريكا لا يمكن ان تحارب روسيا في سبيل نجاح تلك الاهداف، و لا يمكن ان تحارب الكورد ايضا بعدما استبسل في محاربة داعش في كل منطقة يوجد فيها . و لا يمكن لروسيا ان تقبل بتلك المنطقة اليوم في ظل تداعيات اسقاط طائراتها و ما تفعل من القصف الجوي الدائم لتلك المنطقة التي ترمي تركيا الوصول اليها لاهدافها الخاصة، اي لا يمكن ان تقبل روسيا الضغوطات التي يمكن ان تقلل من اهميتها في تلك المنطقة التي تريد دوام وجودها فيها مهما طال بها الزمن . لم تمل تركيا في هدفها لانها حسب استراتيجيتها مصيرية و مستقبلية لمكانتها في المنطقة وليس في سوريا فقط، و باتت تتكتك كثيرا في سبيل ايجاد ثغرة لتحقيق مرادها، و انها ستنفذ الان ما تريده امركيا مشكورة مخذولة بعدما كانت تعارض امركيا في امور كثيرة من قبل، مهما كانت المتطلبات صعبة في سبيل ذلك الهدف من جهة، و انها تحاول تغطية ذلك بتحركات جانبية اما من اجل التشويش على هدفها الرئيسي او ايجاد بديل مناسب لما تهدف في استغلال الثغرات الموجودة في العراق، و اسهلها هو توجهها نحو حليفها مسعود البرزاني في تحقيق تحركاتها و الضغط على الاطراف لمساعدتها في تحقيق الهدف الاهم لها . و ها نشاهدها تحركت صوب موصل من اجل ايجاد بقعة سانحة لها بديلا للمنطقة العازلة لسوريا على الاقل في اضعف الايمان، و لم تتلق الا معارضة شديدة غير مسبوقة من قبل العراق، و ان كانت دوافعها نتيجة طبيعية لضغوطات ايرانية و الا لم يكن العراق بهذه الهمة من تدخلات تركيا سابقا و من يتحجج في سبيل بقاء او خروج القوات التركيا التي يعلنها العراق هذا ليس بموضوعنا . تحركات تركيا صوب العراق تدل على مدى خيبتها في تحقيق ما تريد على الارض في سوريا، و بعد ان تاكدت بان دول التحالف الغربي ازدادوا من توجهاتهم في سبيل انهاء المشكلة باقل وقت و تكثيف زخم محاربتهم لداعش بعد وصول الشر لباب بيتهم، و قرب تغيير المعادلة التي دسوا فيها داعش في سبيل اهداف كبرى سوف يحققونها سواء سياسيا كانت ام اقتصاديا . و عليه ان فرصة نجاح تركيا في فرض المنطقة العازلة في سوريا التي تريدها لتكون ساحة عمليات سياسية و عسكرية لفرض اجندتها، لم تعد سانحة بشكل سهل كما كانت تحلم بها بعد اتفاقها مع امريكا في مساعدتها على ذلك الهدف و موافقة امريكا عليها على مضض . فان اسقاط الطائرة الروسية غيرت وجهات الجميع فرضا بعد تحركات روسيا العسكرية بشكل قوي و ما تفرضه ما تهدف اليه و ما تنويه في سوريا و التي تعارض توجهات و اهداف تركيا بشكل مطلق . و اصبحت احتمالية نجاح تركيا في تحقيق هدفها اكثر ضئالة بعد تعاون روسيا و امريكا معا مع الكورد الان في توجهاته و تحركاته العسكرية والسياسية .
|