ايديولوجيا النشاطات الخالقة للسوق

ان النظام الاقتصادي الحالي في العراق يعتبر نموذج ليبرالي الى حد ما، وهو يعمل على (فصل اقتصاد السوق الحر وقطاع الأعمال الخاصة عن النشاط الحكومي والقطاع العام).

حيث نرى بأن السياسة الاقتصادية في البلد تعمل على ممارسة وظيفة الرقابة والإشراف على النشاط الاقتصادي العام وإعطائه الأهمية الكبرى وترك النشاط الخاص يمارس دوره بتخبّط ودون إسناد وعون من الحكومة.

ان الموازنة العامة للدولة عند تحليلها نجد طغيان النفقات التشغيلية وسيادة الاستهلاك الحكومي عليها والذي يستمد تمويله من إيرادات النفط بشكل رئيسي . هذا الأمر أدى الى جعل نشاط القطاع الخاص يرتبط بالنشاط الاستهلاكي للحكومة محاولاً توفير ما يحتاجه والحصول على الربح السريع لضمان ديمومته، وهذا حق مشروع وبتعبير آخر أصبح القطاع الخاص متطفلاً في عمله على النشاط الريعي للحكومة من أجل تحقيق أرباحه ولم يشارك في خلق تنمية حقيقية مستدامة.

هذه العملية أدت الى حلول ظاهرة التطور السريع لتجارة السلع الاستهلاكية وتدني النشاط الانتاجي الخاص الى مستويات مقلقة لم تمر بها البلاد في تأريخها الانتاجي.

ان نموذج السوق الحر في الاقتصاد والتي وضع أسسها آدم سمث في نظريته المعروفة بالرغم من تبنيها في العديد من البلدان لكن الواقع الحالي والحقائق أثبتت الكثير من الضعف والغموض فيها . فالنمو الذي تحقق في دول كبيرة مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية أثبتت بما لا يقبل الشك ضعف هذه النظرية حيث تبنت حكومات هذه الدول احتضان القطاع الخاص واستخدامه بشكل أمثل في تحقيق التنمية الحقيقية في اقتصاداتها وبشكل واضح للعيان لجميع المتتبعين للشؤون الاقتصادية.

ان الاقتصاد العراقي الحالي بما يمر به من ظروف راهنة نتيجة الاوضاع غير المستقرة التي يعيشها البلد تحتاج الى دور حقيقي من الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة تعمل على خلق شراكة حقيقية واندماج فعلي مع القطاع الخاص لتحقيق التنمية المستدامة المطلوبة للبلد.

هذا يتطلب من الحكومة اعادة توصيف العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص وان تتغير نظرة الحكومة الى هذا القطاع وان لا تعتبره منافساً بل شريكاً يستطيع أن يعينها على البناء وتحقيق التنمية الاقتصادية للبلد.

ان هذه النظرة الاقتصادية الحديثة (ايديولوجيا النشاطات الخالقة للسوق ) تتبنى خلق تحالف اقتصادي حقيقي بين نشاط الدولة العام ونشاط القطاع الخاص ومحاولة الاستفادة من جميع امكانات هذا القطاع واعتباره الذراع الأيمن للحكومة في تنفيذ خططها الاقتصادية في البناء والتنمية، وتكون قيادة هذا

التحالف بيد الحكومة حيث تقوم بوضع الأولويات في الاستثمار والبناء والانتاج وفي جميع القطاعات الموجودة في البلد ووضع أطلس استثماري حقيقي وفق خطط تنموية علمية دقيقة على ثلاثة أنواع هي قريبة ومتوسطة وبعيدة الأجل والتعشيق بين هذه الأنواع الثلاثة بشكل محكم مع إعطاء دور حقيقي للقطاع الخاص في التنفيذ لهذه الخطط بجميع مراحلها وفسح المجال له لمساعدة الحكومة بالنهوض بالواقع الاقتصادي للبلد.

ان إعطاء الفرص الاستثمارية الحقيقية للقطاع الخاص العراقي وتفضيله على المستثمر الأجنبي سيحقق منافع كبيرة للحكومة منها انها تستطيع إحالة تنفيذ المشاريع الاستثمارية الى القطاع الخاص بمبالغ أقل مما لو اُحيلت الى شركات مستثمرة أجنبية وذلك بسبب استعانة القطاع الخاص بأيدي عاملة محلية وكما هو معروف بأن أجور هذه الأيدي أقل بكثير من الأيدي العاملة الأجنبية مما سيوفر للدولة مبالغ كبيرة تستطيع استغلالها في أماكن أخرى وكذلك ستساهم هذه المشاريع الاستثمارية بشكل فعال في خلق فرص كبيرة للعمل وتساعد على تقليل البطالة وتحريك عجلة الاستثمار بسرعة مذهلة مع ضمان بقاء الأموال داخل البلد وعدم خروجها الى الخارج وسيقلل من فرص وقوع شبابنا في حبائل وإغراءات الارهاب الذي يتحين الفرص لاستغلال هؤلاء الشباب.ناهيك عن ملء الفترة التي سيتوقف فيها الاستثمار تقريباً عقب خروج القوات الامريكية من العراق وعدم دخول المستثمر الاجنبي كما تم الاشارة اليها سابقاً.