آثار قوانين مكافحة الارهاب على الحق في الأمن المجتمعي

يعد المجتمع المدني غاية يسعى الانسان لبلوغها، المجتمع الذي يحفظ كرامة الانسان ويشعر الأفراد بالانتماء اليه، كونه يحفظ للجميع حقوقهم وحرياتهم والأمن المجتمعي واحداً من مقاصد المجتمع المدني الذي يتحقق عندما يشعر الأفراد بالاطمئنان على أموالهم وأنفسهم.

 وتحرص مؤسسات الدولة بمختلف مستوياتها على اسعاد الإنسان وتلبية متطلباته اليومية، وتكرس موارد الدولة لتلبية حاجات الأفراد على جميع الصعد، وفي النهاية ستتكاتف الجهود الفردية والمجتمعية للوصول إلى حالة الأمن والاستقرار، ويتحقق الأمن المجتمعي عندما تضمن الدولة للأفراد حقوقهم وحرياتهم الطبيعية التي أسستها الشرائع السماوية وأكدتها المواثيق والقوانين الدولية والوطنية.

 والملاحظ سعي الدول الحثيث إلى تأمين الجبهة الداخلية ضد المخاطر المحلية أو الخارجية التي تتهدد الأمن المجتمعي لاسيما خطر الارهاب تلك الآفة الخطيرة التي تنمو وتكبر كلما توسع الشق الفاصل بين السلطة الحاكمة والشعب وبين مكونات الشعب ذاتها لذا يعزف الارهاب دائما على وتر الخلافات الدينية المذهبية والقومية، ولكن في الوقت ذاته لابد للدولة وهي تسعى لضمان مصالحها ان لا تتعسف باستخدام سلطاتها باتجاه التضييق على الأفراد.

 وقد دأبت الدول على التصدي لآفة الارهاب عبر سن قوانين تختلف بالتسمية وتتفق في الفحوى الهدف منها مكافحة الارهاب والقضاء عليه ولربما اكتفت بعضها بتعديل القوانين النافذة التي تعاقب على الجرائم عموماً وتقرر لهذا النوع من الافعال عقوبات مشددة واجراءات خاصة أمام المحاكم الوطنية، والدول احتاجت في مرحلة زمنية معينة إلى اساس قانوني تتكأ عليه في ذلك فوجدت ضالتها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 لسنة 2001 المتخذ تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وهو بطبيعة الحال ملزم لجميع الدول لاتخاذ اجراءات تجرم بعض الاعمال بوصفها ارهابية لمنع ارتكابها أو التمهيد لارتكابها كالتحضير لها وتمويلها.

 وبسبب وقوع بعض الاعمال الارهابية في كثير من الدول سارعت الاخيرة لسن قوانين تكافح الجريمة الارهابية، الا ان هذه التشريعات انحرفت عن مقاصدها وذهبت إلى تكميم الافواه والقضاء على جميع انواع المعارضة بالتضييق على الحقوق والحريات الفردية العامة والخاصة واضحت اداة بيد السلطة الحاكمة ضد خصومها ما نتج عنه غياب تام للأمن المجتمعي بزج الالاف في السجون تحت حجج واهية بل تمت محاكمة الكثير منهم دون ان توفر لهم مقومات المحاكمة العادلة وفرضت عقوبات قاسية عليهم، فكان لهذه التشريعات سيئة الصيت دوراً سلبياً في حياة الشعوب المتطلعة للحرية، لانتهاكها كرامة الانسان ومعاملته بشتى ضروب المعاملة المهينة لانتزاع اعترافات تدينه ولو بالباطل وامست هذه التشريعات تمثل خطراً على الأمن المجتمعي وتمثل قيداً على ممارسة الحقوق والحريات.

 والملاحظ ان الانظمة السياسية القائمة على نظام توارث الحكم تنأى بنفسها عن تطبيق النهج الديمقراطي وتعمد عند صياغة القوانين الخاصة بمكافحة الارهاب إلى استخدام مصطلحات مطاطية بما يمنح اجهزتها القمعية السلطات الواسعة التي تمكنها من مصادرة الحقوق والحريات الفردية، اذ عرف قانون مكافحة الجرائم الارهابية الاماراتي رقم (7) لسنة 2014 العمل الارهابي في المادة الاولى بانه "كل فعل أو امتناع عن فعل يلجأ اليه الجاني تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي بهدف ايقاع الرعب بين الناس أو ترويعهم اذا كان من شأن ذلك الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر أو ايذاء الأشخاص أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو امنهم للخطر بمن في ذلك ملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء وافراد عائلاتهم واي ممثل أو موظف رسمي لدولة أو لمنظمة ذات صفة حكومية وافراد اسرهم الذين يعيشون في كنفهم، المقررة لهم الحماية وفقاً للقانون الدولي أو الحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الاملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الطبيعية للخطر".

 والقراءة المتأنية للنص تؤدي إلى القناعة التامة انه لم يوضع اعتباطاً انما صيغ بهذه العبارات ليكون الوسيلة المستقبلية لردع الأفراد من مجرد التفكير لمعارضة النظام الحاكم في البلاد، والتهم جاهزة لكون عبارة "الاخلال بالنظام العام" تنصرف حسب بعض التفسيرات إلى كل قول أو فعل يدل على المعارضة السياسية ما يعني مصادرة حق التعبير عن الرأي والحق في الأمن المجتمعي.

 ومضى نظام جرائم الارهاب وتمويله السعودي رقم (16) لسنة 1435 إلى ابعد من ذلك في المادة الاولى منه التي عرفت الجريمة الارهابية بانها "كل فعل يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع اجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر يقصد به الاخلال بالنظام العام أو زعزعة امن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر أو تعطيل النظام الاساسي للحكم أو بعض مواده أو الاساءة إلى سمعة الدولة ومكانتها أو الحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية أو محاولة ارغام احدى سلطاتها على القيام بعمل أو الامتناع عنه أو التهديد بتنفيذ اعمال تؤدي إلى المقاصد المذكورة أو التحريض عليها".

 وفي النص المتقدم ترجمة واضحة لمقاصد القابضين على السلطة لمنع ممارسة الحقوق الفردية فكل فعل يمكن ان يؤول على انه فعل ارهابي بل مجرد مخالفة بسيطة قد تؤدي بمرتكبها إلى تذوق اقسى العقوبات بحجة انه فعل ارهابي، وقريب من هذا المعنى ورد نص المادة (1) من قانون حماية المجتمع من الاعمال الارهابية رقم (58) البحريني لسنة 2006، لذا غابت الاصوات المطالبة باحترام الحقوق والحريات وغاب الأمن المجتمعي في هذه البلدان، وفي الوقت ذاته تغض اغلب هذه الدول الطرف عن مروجي الفكر الارهابي وتمدهم بالإمكانيات المادية سراً وعلانية وتمكنهم من تمويل اخطر الاعمال الارهابية عبر مؤسسات تدعي ان عملها خيري أو شركات تمارس مختلف انواع النشاط التجاري لتمول بأرباحها الجماعات المتطرفة في الدول الاخرى.

 والعجب كل العجب من قانون يعد المطالبة بتعديل الدستور فعلاً ارهابياً أو الاساءة لسمعة الدولة الامر الذي يعني اطلاق يد البوليس ضد الصحفيين والنشطاء المدنيين والمطالبين بالإصلاح أو الحقوق والحريات، وفي الوقت الذي يقع على عاتق الدولة واجب توفير الحماية للسكان ضد العنف لتحقيق الأمن المجتمعي بشرط ان جميع الممارسات الأمنية تصطبغ بالمشروعية واحترام الحقوق والحريات التي ارساها القانون الوطني والدولي بما يمد جسور الثقة بين الفرد والدولة فعندما يشعر الفرد ان الدولة تعمل لصالحه ولأجل اسعاده ضد ما يتهدده من مخاطر وتحترم ذاته وكرامته سيكون عضدا لها وترسخ في دواخله جذور الانتماء للدولة، الا ان الواقع سعي الانظمة الدكتاتورية التي يغيب فيها النهج الديمقراطي إلى اسكات الاصوات المعارضة وكان للحرب العالمية ضد الارهاب المبرر الكافي لها لتصوغ مثل هذه القوانين التعسفية التي كان لتطبيقها الاثر الواضح على المجتمع المدني وعلى نشطاء حقوق الانسان الذين سيق بعضهم للمحاكمة وتعرضوا للمعاملة القاسية والمهينة وقد انتهجت هذه الدول آلية الاحتجاز الإداري بدل القضائي والسجون السرية بدل الخاضعة لرقابة المنظمات الحقوقية.

من كل ما تقد نستنتج الآتي:-

1- ان الكثير من الدول وضعت مصطلحات فضفاضة وغير محددة في تعريف الجريمة الارهابية وعدت تعريض الحاكم للنقد أو محاولة اصلاح الواقع الدستوري يمثل جريمة ارهابية وهذا تعسف واضح في استخدام السلطة واستهانة بالإنسان.

2- بالغت الدول في حملاتها الاعلامية وتشريعاتها الخاصة بمكافحة الارهاب بالتوسع بتطبيقات هذه الجريمة الامر الذي يثير التوترات الاثنية والدينية والقومية كما ان بعض الدول لاسيما العربية اعتمدت الحل البوليسي في مواجهتها لآفة الارهاب دون الولوج في الحلول المكملة كالتصدي لهذا الفكر واسبابه ومقومات حياته أو استمراريته.

3- الملاحظ ان الكثير من البلدان العربية عرفت التطبيق غير المتوازن لقوانين الارهاب الامر الذي افرز افلات المجرمين الحقيقيين من العقاب وايقاعه على الأفراد الاقل خطراً من معارضي الانظمة الحاكمة في تلك البلدان ما انعكس سلباً على الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين.

4- اكدت التطبيقات العملية في الدول العربية ان الانظمة السياسية تحارب ظاهراً الارهاب في بلدانها وتستخدمه كأداة في بلدان اخرى لتمرير وجهات نظرها وسياستها الخاصة.

5- كان للمؤسسة الدينية في بعض البلدان العربية حضور ارهابي بكل ماتحمله الكلمة من معنى عبر الخطاب الاعلامي المتطرف والتحريضي أما الانظمة الحاكمة فقد لعبت دور الاشتراك غير العلني عبر تجييش وسائل اعلامية خاصة لذلك وتوفير الامكانيات المادية والبشرية اللازمة، بل ان تمويل الجماعات الارهابية ينطلق من اراضيها عبر بوابة بعض المؤسسات الخيرية والشركات التجارية المستعملة كواجهة لتمرير الاموال والاشخاص إلى البلدان المستهدفة لارتكاب ابشع الجرائم الارهابية.

التوصيات:

1- ينبغي على المجتمع الدولي بمنظماته ودوله جميعاً لاسيما الامم المتحدة ومجلس الأمن من اتخاذ موقف صريح وواضح من هذه التشريعات التحكمية والتأكيد على الموازنة بين الخطر أو الضرر الذي يسببه الفعل الاجرامي والعقوبة التي لا يكون مغالى بها بشكل غير مبرر، وان يعد التوسع في الافعال الجرمية التي تحمل الطابع الارهابي مستنكراً لكونه ينحرف بالتشريع عن مقاصده وينحو به نحو عدم المشروعية كونه يهدر حقوق الانسان التي اقرتها الشرائع السماوية لاسيما الشريعة الاسلامية التي تدعي الدول العربية الانتماء اليها والتمسك بتعاليمها بل وتحاول تطبيقها في تشريعاتها لكونها جزء من تراثها ويخالف الاعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان.

2- على جميع الدول اتخاذ التدابير الحقيقية ضد مروجي الارهاب على اراضيها والمنسوبين إلى مؤسسات دينية ومدارس متطرفة تعتمد العنف والارهاب طريقاً في خطابها ويمارسون اعمالاً ارهابية في شتى الدول الاخرى عبر المؤسسات التي يدعون انها خيرية والشركات التجارية التي تمول نشاطات جماعات ارهابية ولا يخفى على سلطات تلك البلدان نشاط هؤلاء وتغريرهم بالشباب للهجرة إلى بلدان بعينها بدعوى الجهاد المزعوم.

3- ان التركيز على محاربة الارهاب عسكرياً لا يسهم في القضاء عليه جذرياً وبناء السلم والأمن الاجتماعي، لذا لابد من التواصل مع الأفراد بكل الوسائل الممكنة والتركيز على احترام الحقوق والحريات الفردية بما يعمق ويرسخ ثقة الأفراد بالسلطات العامة ويقضي على ظاهرة الارهاب من جذوره.

4- لقد كرم الله سبحانه وتعالى بني البشر وفضلهم على كثير من خلقه لهذا على الدول لاسيما العربية التي تدعي الانتماء للشريعة الاسلامية المقدسة ان تكون مصداق للتعامل الانساني وفق ما رسمته السماء من خلال القرآن الكريم والسيرة العطرة للنبي الاكرم واهل بيته الاطهار وصحبة المنتجبين الاخيار وتعيد النظر بتشريعاتها الخاصة بمحاربة الارهاب ورفع الظلم والحيف الذي وقع على الناس وحذف المصطلحات ذات التفسير الواسع التي تكون اساساً لتعسف السلطات التنفيذية بحق الأفراد الامر الذي يسهم في تعميق وترسيخ الأمن المجتمعي.

5- على جميع الدول ان تسعى جاهدة إلى تأكيد الحق بالأمن المجتمعي وتوفير مقوماته كافة باحترام ذات الانسان وصون كرامته.