في سالف العصر |
قاومت استخدام الكومبيوتر لفترة طويلة ظًنا مني أن الهوة التي تفصلني عن التكنولوجيا لا حل لها. ثم اكتشفت مع الأسفار أنني أستطيع من خلالها قراءة الصحف حيث لا تصل. فتعلمت. وعندما اكتشفت الـ«آي باد» وسهولته٬ انتقلت إليه. وكنت أعتقد أنه يستحيل علّي تعلّم طباعة الأحرف العربية٬ فتعلمتها من دون صعوبة. أصبحت أعود إلى الـ«آي باد» للتدقيق في بيت شعر٬ أو تاريخ٬ أو اسم٬ أو ثغر من ثغور الذاكرة المتزايدة. لكن علاقتي بالسحر التكنولوجي توقفت هنا٬ فلا «تويتر» ولا «فيسبوك» ولا بقية المذهلات. والسبب أنه لا وقت لدّي للرد على كل ما يجب٬ وأنا لا أريد أن أقلل الأدب مع أحد. وعندما أرى إدمان بعض الأصدقاء والزملاء لـ«تويتر»٬ أقدر تكرسهم٬ لكنني أزداد قناعة بموقفي المتخلّف وما فيه من إساءة إلّي وإلى علاقاتي بالناس٬ خصوصا بمن أحترم. في الحقيقة٬ تبين لي أن فوائد هذا السحر كثيرة٬ ومضاره كثيرة أيًضا. قبله٬ كنت أمضي الوقت مع كتاب أو صحيفة. الآن أمضي الكثير من الوقت في البحث عن أشياء لا لزوم لها على الإطلاق٬ وغالًبا لا علاقة لها بحياتي. وأقول في نفسي معزًيا إنه لا بد أحياًنا من تجنب المشاغل والجديات وتناسي ما يدور حولنا من مفازع وأرعاب ونوازل. لكن عندما أحسب الوقت الذي قضيته في هذه السطحيات٬ أشعر بالندم. لقد قلت غير مرة إن الإنترنت معلومات٬ لا ثقافة ولا معرفة. الضروري منها ضروري٬ والعابر كثرته مضّرة. والمشكلة الكبرى هي إدمان العوابر. فأنا أشتري مثلاً ساعة كل عشر سنوات٬ أو أكثر٬ لكنني أتتبع أخبار الساعات وصناعاتها كأنني وكيلها. واقرأ عن صانعي أحذية نابليون. وأبحث عن الأشياء المعروضة للبيع على «إيباي». لكن من الفوائد التي لا تقدر بثمن أنني أعثر على أقلام جديدة دوًما. وقد اكتشفت أن الأقلام السهلة أو السيالة ليست هاجسي وحدي. فالزميل مفيد فوزي يكتب هو أيًضا عن تعلقه بالنوع ذاته. والكاتبة الكندية مارغريت آتوود لا تزال تكتب بأقلام الرصاص. وهكذا كان يفعل محررو صحيفة «الموند» في اجتماع التحرير. لكن الأرجح أنهم تخلوا عن ذلك. فقد هبط مستوى الصحيفة على نحو مؤسف.
|