الماضي مستقبلنا |
استمعت لمحاضرة قيمة ألقاها الدكتور تحسين الشيخلي في قاعة الحوار الإنساني بلندن. والدكتور الشيخلي مختص بعلوم المستقبل٬ الموضوع الذي يحاضر فيه في الجامعات البريطانية٬ كشخصية أخرى من العقول النابغة الهاربة من العراق. ولا عجب فالمستقبل ليس من الأمور التي تهم العراقيين في هذه الأيام. كان من طروحاته أن مستقبل البشرية يرتبط بالتطور الرقمي والمعلوماتي٬ الذي نشهد من فروعه كل ما تتعاطاه الإنترنت وشبكات «غوغل». وهو ما يذكرني بالمواطن الكردي الذي وصل إلى بغداد فلاحظ اهتمام الناس بتصريحات السيستاني. فسأل عن ذلك فقيل له إنه يعرف أي أمر من أمور البشرية٬ فضرب على يديه وقال: «أوه! يعني هذا غوغل عربي»! لا بد أن يجر الكلام عن المستقبل الرقمي إلى موضوع الحروف العربية. تجرأت فقلت دعونا نواجه هذا الواقع. ستفرض علينا هذه التطورات الانتقال إلى استعمال الحروف اللاتينية كما سبقنا إليها الأتراك. ورويت في هذا الصدد الحوار الذي جرى في مكاتب هذه الصحيفة مع الزميل فاضل سلطاني. جرنا الحوار إلى أغنية صديقة الملاية رحمها الله٬ «الله يخلي صبري٬ صندوق أمين البصرة». قلت له: السيد صبري أفندي كان واحًدا من عشاقها أثناء وجوده في البصرة أمينا لصندوق البلدية. أحسن إليها فردت عليه بهذه الأغنية. كان الزميل مسعود لاوه, وهو من أربيل, معنا فقاطعنا وقال: ليس هذا ما فهمته من الأغنية. كنت أتصور أن صبري من «صبر». والمعنى كما فهمته هو دعاء إلى الله تعالى أن يقوي ما لدي من الصبر بحيث يصبح بحجم صندوق مالية بلدية البصرة! ضحكنا وضج جمهور المحاضرة أيضا بالضحك. واصلت كلامي فقلت: يا جماعة ما حصل من سوء فهم نتج عن الحروف العربية. فلو كانت الأغنية مكتوبة بالحروف اللاتينية لما حصل ذلك. فالحروف اللاتينية تذكر القارئ بأن «صبري» اسم علم وليس اسم مصدر «الصبر». تطوع د. تحسين الشيخلي٬ فتكلم بقوة وحماس مدافًعا عن استعمال الحروف العربية وضرورة الالتزام بها. وصفق له جمهور الحاضرين تصفيًقا حاًرا. نظر بعضهم نظرات شذرة إلّي. كيف يا أبو نايل تقول ذلك وأنت تعيش كل عمرك من وراء الحروف العربية! وكان مما قاله الأستاذ المحاضر إن تركيا التي تخلت عن الحروف العربية فقدت ثروة تراثها. فلم يعد أحد يستطيع أن يقرأ كل هذه المخطوطات التي خلفها السلف من العثمانيين. كان الوقت المحدد للمناقشة قد انتهى وضرب عريف الجلسة الدكتور صادق على الجرس. فاختنقت هذه الكلمات في حنجرتي: على إيش يا دكتور تحزن على ضياع ذلك وأنت تعلم أن جله أوهام وخزعبلات وخرافات. ما الذي أوقعنا في كل هذه المشكلات والحروب الطائفية غير ما جاء في ذلك التراث؟ دعك عنها وأنت عالم مستقبلي وانظر لما تذكره «غوغل» من اكتشافات وعلوم وتوقعات٬ سيارة تنقلك دون سائق! طائرات تضرب عدوك من دون طيار! جراح في باريس يركب لك قلًبا جديًدا وأنت في دبي! أطباء يبحثون عن حبة تشفيك من السرطان وكل مرض! قلت كل ذلك لنفسي وأضفت يا خسارة! الدكتور الشيخلي يبحث في المستقبل ويعيش في الماضي |