سماسرة العقارات يزورون سندات الاراضي ويبيعونها الى المواطنين


* اشخاص ادعوا ملكيتهم للاراضي الحكومية تحت ذريعة انها تعويض عن ما لحق بهم من اذى ابان النظام السابق
*مجلس محافظة بغداد لم يبدي اهتماما ازاء المتاجرة بألاراضي الحكومية

تربتها المتحجرة ونباتات الشوك والعاقول المتناثرة فوق اديمها، توحي الى ناظرها انها ارض مهجورة، ولم تستثمر قط في الزراعة، ولم يخطر ببال احد من سكان المنطقة، انها ستتجزء ذات يوم وتباع على شكل اراض سكنية، حتى سقوط النظام السابق وظهور ماتعرف ب(العشوائيات)، اذ اخذ بعض الافراد بالاستيلاء على مساحات ليست بقليلة منها وشيدوا عليها منازلهم. وبعد مدة زمنية قصيرة، عمدوا الى احاطتها ومن جهاتها الاربعة بساتر ترابي على ارتفاع مايقارب 2م، لمنع المحاولات المتكررة من قبل جماعات اخرى للظفر بنصيبهم منها .وبعد مضي عشرة سنوات تقريبا على تلك الحادثة، ها نحن ذا نقف وقفة المتفرج على عملية تقسيمها وبيعها بأسعار زهيدة.
ويكمل المواطن (مرتضى كاظم)27سنة، الذي يسكن في منطقة الامين الثانية، محلة 737، ويملك ورشة لتصليح الدراجات النارية، حكاية الارض التي قصها علينا و التي تعود ملكيتها للدولة، و تربو مساحتها على اكثر من (6دونم) الواقعة في الامين الثانية حي السدة، مقاطعة رقم 13 " نعيرية _ كيارة" المعروفة بـ(الجديدة)، قائلا : ( في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، كنت وثلة من اصدقائي في مرحلة المراهقة، ولم نكن لنعمل شيئا سوى ممارسة لعبتنا المفضلة كرة القدم، وكان حي السدة "الجديدة" يتكون من بيوت لايتجاوز عددها عدد اصابع اليد الواحدة، ومن دون اية خدمات تذكر، وبسبب ظروف الحصار الاقتصادي آنذاك، فقد عمد بعض المواطنين الى الحفر في هذه المساحات المقفرة في حينا، والاتيان بالتراب واستخدامه في طمر اساسات المنازل بدل شراءه بأسعار مرتفعة) ويسترسل..(ولكونها الارض الوحيدة التي بقيت مستوية ومن دون اية شوائب، كانت منقذنا الوحيد حين نبحث عن مكان نمارس فيه العابنا. ولم تمضي الا ايام قليلة حتى اخذت مفارز حزب البعث بتفقدها، وفي اكثر الاوقات كانوا يطلبون منا مغادرتها، وكنا نجهل سبب ذلك حتى انبأنا "مختار" المحلة انها ملك للدولة. وبعد عام 2003، احيطت بساتر ترابي، الامر الذي ادى الى عزلها تماما عن بقية الازقة المجاورة لها وبقيت على ذلك حتى عام 2010، وفي الاوقات التي كنا نرتقي فيها"السدة" بعد ان اصبحت طريقا سالكا للسيارات والمارة، كان اللون الاخضر الذي ينبثق منها يجذب انظارنا، حيث استغلت بشكل كامل في زراعة الخضروات).
اكثر من محاولة ...لبيعها
قبل ان يكمل عيسى حديثه ولج الى ورشته شاب طويل القامة بانت على ملامحه علامات الإرهاق يدعى (عماد فرج المياحي)31سنة، ويملك محال لبيع الألبسة المستعملة "البالة" في سوق الامين. صمت لبرهة زمن، ثم سألنا عن طبيعة عملنا وسبب مجيئنا، وراح اذ ذاك يشاطرنا الحديث، حيث اوضح ان والده كان هو الاخر ضحية احدى مؤامرات "البيع" ولولا أن القضية انتهت بالعرف العشائري، لكانت اموال ابيه قد ضاعت سدى، واضاف أيضا : (في نهاية عام 2005، قام شخصان معروفان في المدينة،بأنتماءاتهما الحزبية والدينية, بتخطيط الارض، وتقسيمها الى مساحات صغيرة، تحت ذريعة ان الحكومة قد وهبتها الى احدى الشخصيات، تعويضا عن الاضرار التي لحقت بها, من النظام السابق, و قد اوعز المالك الجديد ، ببيعها الى المواطنين بأسعار مناسبة, وفعلا تحقق ماكانوا يصبون اليه ،وراح الناس يتوافدون عليهم . وبعد عام تقريبا .طالب المشترون بأوراق اصولية، بدل التعهدات الشخصية، وما كان من الباعة الا التملص والتعذر من ذلك، ونظرا لسوء الاوضاع انذاك وضعف الدولة، لم يبقى من بد امام المواطنين لأسترداد اموالهم، سوى العرف العشائري، وفي عام 2008 جاءت جماعة اخرى وزعمت امتلاكها الارض، وكتبت على "لافتة" ثبتت على عمودين خشبيين، "قطع سكنية للبيع "مع رقم هاتف محمول، الا ان محاولتهم باءت بالفشل)،
انهمك في بناءه وتناسى أمر ثبوتيته..
خرجنا من الورشة وودعنا صاحبها وزبونه، وتوجهنا الى من اثيرت حولها زوبعة من الاقاويل، وهناك وعلى مقربة من الشارع الرئيس، الفينا جوقة من عمال البناء، بقرب احد الهياكل وهم منهمكون في عملهم، دلفنا نحوهم وسألنا احدهم عن صاحب العقار، فأرشدنا اليه وكان جالسا في سيارته وقاية من رذاذ المطر، فترجل من السيارة (ابو وسام المسعودي)54عاما، واستقبلنا والأبتسامة ملء شفتيه، وبين انه يعمل في تعقيب المعاملات المرورية، فطلبنا منه ان يخبرنا عن الجهة التي تقف وراء عملية البيع، فأجاب قائلا : (قبل 8اشهر تقريبا أنبأتني زوجتي ان شقيقها قد اشترى في هذه الارض 100م2، بمبلغ مقداره 16 مليون دينار، وكنت في ذلك الوقت أملك من المال مايكفي لشراء ضعف تلك المساحة، فسارعت بالاتصال به، وسألته ان يبيعها لي، فلم يرفض البتة العرض الذي قدمته اليه، وبعد يومين تقريبا، كتبنا عقد البيع والشراء، في بيت "نسيبي").
الم تسأله عن عائديتها واوراقها الثبوتية ؟؟
في بادئ الامر، لم اطلب منه اية ضمانات ..فكلانا نعلم انها ملك لشخص يسكن فيها منذ عقود، وهو من تكفل لشقيق زوجتي بسلامة الأرض، وهذه الكفالة انتقلت من صاحب الارض الى شقيق زوجتي الذي وعدني بخلو اوراق الارض الثبوتية وعائديتها من اية شوائب. وقبل ايام قلائل، اتصلت بمن باعني هذه الأرض، وطلبت منه ان يكتب لي "كمبيالة" تضمن لي اموالي التي انفقتها في البناء ونقودي التي دفعتها لاجل شراءها.
قلنا له..الا تعتقد بأنك تخاطر في السكن بهذا المكان ؟؟
قهقه ضاحكا ثم قال : (لو كان في الافق علائم المخاطر والمساءلة، لما اقدمت على الشراء. فالجميع يعلم ان المناطق "العشوائية" هي ارض وبنايات حكومية، ولم تحرك الحكومة ساكنا ازاء هذه التجاوزات، الامر الذي شجعني وشجع العديد من امثالي "المتعبين" على الشراء بأراض كهذه التي نقف عليها الان) .
مجلس المحافظة..ودوره الفاتر
عند تخوم الارض اليباب التي بيعت في وضح النهار، التقينا في مكاتب عملهم عددا من سماسرة العقارات، واول المستقبلين لنا كان "ابو س" الذي رفض ان يبوح لنا بأسمه الكامل وكنيته حذرا من التهديدات والمتاعب التي قد تطاله لو انكشف امره. حيث اوضح ان هذه المساحة من الارض وحسب المخطط العمراني لمدينة الامين الثانية خصصت لبناء مستوصف طبي ومدرسة ابتدائية ورياض اطفال. وكان من المقرر ان تبدأ عملية تنفيذ هذه المشاريع عقب الانتهاء من مد شبكة انابيب الصرف الصحي لحي "السدة" واكساء الشوارع، وما ان شرعت الحكومة ب"تبليط" الشوارع حتى سورت هذه الارض بساتر ترابي من جميع جهاتها وعلى ارتفاع 3م، وبعد ازاحة ذلك الساتر، علمنا ان من كانوا وراء فكرة تسيجها بالتراب قد عمدوا الى تقسيمها وبيعها الى المواطنين وبسندات زراعية. ويسترسل : ( بعد ذلك توجهنا الى محافظة بغداد، وقدمنا طلبات عدة بينا فيها احابيل من يرومون بيعها، فأستجاب المجلس لمطالبنا، وتمكنا من مقابلة الرئيس الاسبق للمجلس "كامل الزيدي" . فوعدنا باتخاذ الاجراءات اللازمة لتدارك الامر. وبعد ايام قليلة ارسلت بلدية بغداد الجديدة "بوكلن" لازاحة ماشيد على هذه الارض تزامنا وزيارة نائب المحافظ الى المدينة. لكن اولئك الذين ادعوا ملكيتهم لهذه الارض عادوا مرة اخرى وشيدوا محال تجارية وعدد من المنازل، اضافة الى نصب أعمدة الكهرباء، وخطوتهم هذه كانت مجرد "جس نبض") ويكمل : ( إبان النظام السابق عدت هذه الارض من "محرمات النفط" اي لايجوز البتة تقسيمها وبيعها، بسبب امكانية العثور على منابع للنفط فيها. وبعد تغيير النظام، جاءت لجنة وزارية وفندت تلك الادعاءات، واعلنتها ارضا "خدمية").
تزوير السندات
بعد نهار مضني وممل، عدنا الى مقر الجريدة لتدوين تلك الحقائق وتقديمها الى الجمهور، واثناء ذلك هاتفنا احد الاصدقاء وطلب منا القدوم الى مدينة الحسينية، لأمر "شخصي" فكان له ما أراد. وبعد وصولنا الى بيت الصديق، اخذنا نتجاذب اطراف الحديث، فعلمنا منه ان بعض"الدلالين" يعمدون الى تزوير سندات الاراضي "الطابو" وتحويل ملكيتها اليهم، ومن ثم يبيعونها الى المواطنين، وهذا التزوير ظهر بشكل ملفت للنظر في اراضي حي "الحرس" الذي يقع بين حي "الصمود" ومعسكر"الحرس الجمهوري" سابقا. فطلبنا منه ان يدلنا على احد سماسرة العقارات لنستعلم منه عن صحة هذه الاقاويل. فتوجهنا بمعية صديقنا للقاء الدلال "ابو مشتاق الشمري" وقبل ان نلج الى مكتب "الشمري" رجونا صاحبنا ان يتحفظ على هويتنا الحقيقة امام "ابو مشتاق الشمري"، مخافة ان يتكتم الاخير على الحقائق. وبعض مضي برهة زمن، اخذ رفيقنا بتوجيه الاسئلة الى "ابو مشتاق" عن اراضي الحرس، فأنكشفت اسارير "الشمري" وقال : (الله وكيلك كلهن اخذوهن وكل شي مابقالنة، انوب باعوهن بسعر الماي)
بعد الكلمات التي صدحت بها حنجرت" الدلال" سارعنا بسؤاله عن الملاك الحقيقين لتلك الأراضي، فأجابنا قائلا : ( هذه المساحة من الارض وزعت لضباط الحرس الجمهوري السابق قبيل سقوط النظام، وبعد العام 2003، بقيت هذه الارض شاغرة ولم يقطنها احد، بأستثناء القليل ممن اشتروا اراضيهم من الملاك الأصليين، بعد ذلك اتجهت انظار سماسرة العقارات الى هذه الأراضي، فعمدوا الى استحصال سندات جديدة وبأسمائهم من خلال "معارفهم" في دائرة التسجيل العراقي)
وكم بلغت اسعارها ؟؟
في بادئ الامر بلغ سعر البيع حوالي 8 ملايين دينار لكل 100م2، ثم اخذ بالارتفاع التدريجي حتى بلغ 20 مليون دينار، لكنه انخفض بعد عمليات الحفر التي شهدتها المدينة.
اردنا سؤال "ابومشتاق" عن نصيبه في تلك التجارة المربحة، لكننا خشينا من المتاعب التي تتربص بنا لو تجرأنا على قول ماكان يموج في داخلنا، والسبب وكما وصفه لنا صديقنا "ديربالكم ترة الشغلة عصابات".
نهاية رحلتنا، كانت في الحسينية التي اكرمتنا بحفنات من الوحل المداف بنتانة "المجاري"، لكن رحلة الاستيلاء على الاراضي الحكومية والمتاجرة بها لم تنتهي بعد، وعلى العكس من آراء البعض التي ترى اقتراب موعد القصاص من ثلة اللصوص المتاجرين بالاموال العامة، فهذه الظاهرة غرست مخالبها في جسد المجتمع العراقي، واستفحلت حتى اوشكت على السطو على اراضي البلدان المجاورة.