الممارسات الانتخابية وضبط سلوكيات الأحزاب

 

لا يمكن اعتبار الممارسة الانتخابية مستوفاة للمعايير الديمقراطية ما لم تضبط سلوكيات الأحزاب المتنافسة بمنظومة متكاملة من التشريعات والقوانين لمنعها من الوصول إلى المراكز التمثيلية بطرق غير شرعية ولا أخلاقية, فينبغي إيجاد قانون انتخابي فعال للتمثيل مستوف للمعايير الديمقراطية والالتزام به, يحدد واجبات ومسؤوليات الأحزاب المتنافسة ويضبط سلوكياتها, تشكل فيه الانتخابات منافسةً حقيقية بين الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين, مع قدرة الناخبين على الاختيار بشكل حر بين خيارات سياسية مختلفة, وكذلك بين مرشحين مختلفين لتحديد هوية من سيمثلهم, ويحقق العدالة بين الأحزاب المتنافسة ويستند إلى حقوق الإنسان الأساسية في حق الاختيار، والترشيح, والتنظيم، وعقد اللقاءات والاجتماعات, وقدرة النظام على استيعاب المواطنين وانخراطهم في النظام الديمقراطي التمثيلي, ووضع الضوابط المتعلقة بالحملات الانتخابية والتمويل وطرق عمل الأحزاب السياسية, وتحييد قدرة الأحزاب من التأثير السلبي على الناخبين واستقلالية مفوضية الانتخابات ومنع التأثير على قراراتها، مع إيجاد عقوبات صارمة بحق المنتهكين لهذه القوانين مرشحين وأحزاب وعدم تمكينهم من الوصول إلى المراكز التمثيلية.

وبما إن الأحزاب السياسية والمرشحين هم فاعلين انتخابيين فيمكن لهم إنجاح الانتخابات كما يمكن لهم القدرة على تشويه الممارسة الانتخابية وإفراغها من محتواها, منطلقين من موقعهم على الساحة السياسية ومدى نفوذهم في السلطة, خاصة عندما تكون الانتهاكات القانونية واضحة للعيان, فبممارسات لا أخلاقية كشراء الأصوات، أو التمويل غير المشروع، أو انتشار التجريح وخطب تنم عن الكراهية وشيطنة الآخرين، وإلقاء تبعات الفشل على المنافسين, أو الضغط على الناخبين وتهديدهم من قبل الأحزاب ومناصريهم، أو التمييز الممنهج ضد فئات اجتماعية محددة, واستخدام المال العام وإمكانيات الدولة في الدعاية الانتخابية, بالإضافة إلى التشكيك بنتائج الانتخابات ورفض هؤلاء القبول بنتائجها لأي خلل فيها، حقيقياً كان أو وهمياً لاستمالة عطف الناخبين, فإن ذلك من شأنه تقويض مصداقية الممارسة الانتخابية وتضع الحزب صاحب الاتهامات موضع الشك خاصة عندما يكون هو متسيدا للسلطة, وهذه تشكل جميعها أمثلة على قدرة الأحزاب السياسية على تهديد سير النظام الديمقراطي بدلاً من تعزيزه, وتدفع سلوكياتهم هذه الناخبين إلى اليأس والإحباط ومن ثم العزوف عن ممارسة هذا الحق.

إن مهمة الأحزاب السياسية والمرشحون من الانتخابات باعتبارهم شركاء رئيسيين في العملية الانتخابية هو الفوز بالمناصب التمثيلية بإقناع الناخبين على التصويت لهم أما لقدرتهم على تنفيذ البرامج الانتخابية والفوز بالمناصب التمثيلية, أو لتشكيل معارضة ذات مصداقية وتؤدي أدوار حيوية أخرى, كونها الوسيط بين المجتمع المدني ومن يضطلعون بمسؤولية صنع القرارات وتنفيذها, فمهمة الأحزاب السياسية هي السعي لتنفيذ تطلعات أعضائها ومناصريها في البرلمان والحكومة سواء أكانت في سدة السلطة أو خارجها, وكذالك تبصير المواطن على فهم المسائل السياسية المعقدة التي تعتمد إلى حد كبير على قدرة الأحزاب السياسية على توعيتهم وتحريكهم وصياغة الخيارات السياسية، وإيجاد القنوات التي تعكس مطالب الناخبين, وبخلاف هذه المهام, فإن بقية الأحزاب تكون غير جديرة بالتمثيل ومنحها ثقة الناخب الذي سيبقى هو المسؤول أولا وأخيرا لما ستؤول إليه الممارسة الانتخابية وقدرته على إيصال هذه الأحزاب وشرعنه وجودها في السلطة, فمهما بلغت الأنظمة الانتخابية من دقة وصرامة فإنها أيضا ستكون عاجزة عن ضبط سلوكيات الأحزاب قبل وبعد الممارسة الانتخابية, ويبقى الدور الفاعل لضبط سلوكيات الأحزاب على الناخب, وإن يكون على قدر من المسؤولية في تحديد مصير دورة انتخابية كاملة قد تعيده عقدا من السنين إلى الوراء, وتأمل سلوكيات الأحزاب المتنافسة التي عكست أخلاقيات مرشحيها وطريقة تعاملهم مع الناخبين قبل الإدلاء بصوته.