ترتبط عملية الاعتراف بنتائج أي انتخابات بالعالم بالقدر الذي تحويه من الشفافية والوضوح، بالاضافة إلى عوامل أخرى أبرزها تساوي الفرص بالنسبة للمرشحين كحق من حقوق الناخب قبل أن يكون حقا للمرشح. فالناخب يجب أن يطلع على برامج المرشحين بفرص متساوية دون أن يكون هناك ما يؤثر في قراره ليختار قادة يحققون طموحاته ويضمنون مستقبل أولاده.
يقول نص منهاج دولي عملت على تنفيذه قبيل انتخابات مجالس المحافظات العام 2009 مع منظمة دولية بهدف تطوير الأداء الاعلامي في الانتخابات "ان عدم تساوي فرص وصول برامج كل المرشحين للناخب يؤثر بطريقة سلبية على خياراته". ولعل الضجيج الذي يرافق حملة الفريق المرتبط بالدولة في انتخابات مجالس المحافظات يؤثر بشكل مباشر في خيارات الناخب الذي يجب أن تتاح له فرصة الاطلاع على امكانات جميع المرشحين دون أن يستعين (فريق الدولة) بأدوات تتوفر له بصورة مباشرة من خلال موقع حكومي للمرشح ذاته، أو بصورة غير مباشرة من خلال موقع رمز القائمة حين يكون بمنصب رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء.
هذه الأدوات توفرت لهؤلاء لأنهم في موقع خدمة عامة وليس لاستخدامها لتنفيذ مشاريع شخصية أو للاستعانة بها للتفوق على منافسيهم في السباق الانتخابي. لا يمكن أن تكون الحالة مثالية، ولكن على الأقل يجب أن تكون المنافسة متقاربة بين المرشحين بالاعتماد على امكاناتهم الذاتية، بالاضافة لما يقدم لهم من التبرعات (الفكرية) والمالية.
كان يجب أن تسبق عملية الانتخابات عملية اقرار قانون الاحزاب الذي ينظم الآلية التي تعمل بها هذه الاحزاب وطبيعة أهدافها، والأهم من ذلك كله هو تمويلها حتى يوفر على الأقل امكانية تساوي الفرص بين من يجدون في أنفسهم ومشاريعهم الكفاءة لتحقيق تطلعات المواطنين على مستوى الخدمة المحلية ومن ثم مستوى الخدمة التشريعية في دورة مجلس النواب المقبلة.
الزخم الكبير الذي يشكله رئيسا الوزراء والنواب في الحشد لحملتي قائمتيهما في الانتخابات الحالية، كل حسب جغرافية قاعدتيهما، وآخرون مرتبطون بمناصب حكومية ومسؤوليات بالدولة، لا تترك فسحة من الهدوء للناخب للاستماع للبرنامج الانتخابي للمرشحين الآخرين ممن لا يملكون سوى كفاءتهم وايمانهم بأنفسهم وصدق نيتهم للنهوض بواقع مناطقهم السكنية في محافظاتهم.
هؤلاء لا يملكون هذا الكم الهائل من القدرة على اعطاء وعود بالتعيين، أو بالحصول على وحدة سكنية، أو حتى القدرة على إيجاد أماكن لتعليق صورهم، وحتى إن وجدوها فهناك من سيحركها من أماكنها, لا خوف من منافستها، بل لكونها ليست بحجم تلك الصور التي تجاورها والتي باتت بأحجام وكأنها أعدت ليشاهدها ناخبون يسكنون في القمر وليس ممن يمرون بجانبها.
هذه الامكانات التي صارت متواضعة لا تستهوي الناخبين ليس لذاتها أو لخلل بها، بل لضخامة ما يوازيها من امكانات مرشحي فريق الدولة والمرتبط بها وما تحرزه من اهتمام ورعاية عبر ساعات من الدعاية المجانية للاشخاص بالارقام والاسماء دون أن يكون هناك مضمون حقيقي يستعرض المشاكل التي يعاني منها الناخب والمعالجات التي يقدمها المرشح من أي فريق كان, ثم لا تجد من الناخبين باحث عن (برنامج انتخابي) يناقش حيثياته وامكان تنفيذه لتبقى خياراته متأثرة بضجيج تحيط به آليات ليست أكثر من اشكال وابراء للذمة.
صديقي أبو عباس (الستيني) صاحب نكتة في أسوأ الظروف التي يمكن أن يمر بها الانسان, أشكل عليه بائع لأن بعضا من المائة دينار بقت بذمته وأزعجه بخل خلق البائع معه فقال له (مشكولة ذمتك إذا برأت ذمتي) وعقب بسرعة وهو يلامس رقبته (وهل هذه بذنوبها لكل هذه السنين تعجز عن تحمل هذا الذنب وهذه الذمة).
وكأن الناخب اليوم يقول للمرشح سأنتخبك وأبرئ ذمتي، وسيقول المرشح بعد فوزه ما قاله أبو عباس للبائع.