في اليوم الأول من وفاة الرسول (ص) قام عمر بن الخطاب في المسجد خطيباً فقال لا أسمعن أحداً يقول أن محمداً (ص) قد مات ولكن أرسل إليه كما أرسل الى موسى بن عمران (ع) فلبث في قومه أربعين ليلة ، والله أني لأرجوا ان يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات ولم يكف عمر عن هذا الامر حتى قدم أبو بكر الذي كان في السنح .... (1) ولم يكن في الجرف مع جيش أسامة حيث كان معسكراً كما أمره رسول الله (ص) ، لهذا فقد كانت المدينة منقسمة الى ثلاث مجاميع ، الأول منها كان يهتم بتغسيل وتكفين رسول الله (ص) وهم بني هاشم وفي مقدمتهم علي (ع) وخلص الصحابة كسلمان الفارسي وأبا ذر وعمار والمقداد ، والمهاجرين كبني زهرة وبني أمية كانو مجتمعين في المسجد والأنصار كانوا مجتمعين في السقيفة .
السقيفة وما جرى فيها:
توفى رسول الله (ص) وأنشغل في تغسيله وتجهيزه أهله يتقدمهم علي بن أبي طالب (ع) وعمه العباس وأبناءه الفضل وقثعم وفي أثناء ذلك أنشغل قسم أخر من الصحابة ( الأنصار والمهاجرين ) بحسم مسألة القيادة من بعد رسول الله (ص) ، فقد أجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لكي يختاروا خليفة من بينهم وكان مرشحهم لهذا الأمر سعد بن عبادة ، فعلى الرغم من مرضه لكنهم جلبوه الى السقيفة لكي يعطوا البيعة له ، وفي أثناء ذلك قدم من المهاجرين أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح لكي يروا ماذا سيفعل إخوانهم من الأنصار ، وعندما لاحظوا أن كل شيء قد هُيئ له لكي تستقر خلافة رسول الله (ص) ما بين الأنصار ، وقد بينت الأنصار على أحقيتها في الخلافة لأنهم كتيبة الإسلام ولم يعبد الله جهراً إلا في ربوعهم ، وهم الذين دافعوا عن الإسلام واستقبلوا أخوانهم من المهاجرين ، فعندما لاحظ أبو بكر وعمر أن الأنصار قد طلبوا الأمر لهم ودفعوا قريش عنه ، عندها أراد عمر بن الخطاب أن يتحدث وإنه قد هيء كلاماً لهذا الأمر ، ولكن أبي بكر طلب منه التروي حتى يتكلم هو أولاً وقد أيدهم أبو بكر على فضائلهم ولكنه أحتج عليهم على أن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وهم أوسط دارا ونسبا وقد رشح أحد الاثنين أما عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح..... (2).
وبعد أن لاحظ الأنصار إصرار المهاجرين على تولي الأمر طلبوا منهم أن يجعلوا الخلافة مشتركة ما بينهم أي من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير ، ولكن المهاجرين اقترحوا تقاسم السلطة عندما أقترح أبو بكر بأن المهاجرين هم الأمراء ووزرائهم من الأنصار وقد رفض الأنصار ذلك ، فقال عمر أن العرب لا ترضى أن تعطيكم الإمارة ونبيها من غيركم ولكن العرب لاينبغي أن تولي الأمر إلا من كانت النبوة فيهم وأولوا الأمر منهم ولنا بذلك على العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين فمن ينازعنا بسلطان محمد (ص) وميراثه ونحن أولياءه وعشيرته ، وعندما سمع الأنصار هذا الكلام رفضوه وقد أقترح أحدهم إذا لم يحصلوا على الأمر بإمكانهم أن يطردوا المهاجرين من مدينتهم وبعدها سوف يستتب الأمر لهم.... ( 3) ، وأن الذي يرد هذا الكلام يستعمل ضده السيف ولكن تعالت الأصوات وكثر اللغط ، وقال عمر فلما أشفقت قلت لأبي بكر أبسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه بشير بن سعيد حسداً للخزرج ، وقال قائلهم لئن وليتموها سعداً عليكم مرة واحدة لزالت لهم بذلك فضيلة ولا جعلوا لكم نصيباً فيها أبدا .......(4) .
وقد قال عمر أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا أن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فأما أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون فساد ، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها ومن عاد الى مثلها فقتلوه ......( 5) ، وقد ذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الى المسجد وتمت البيعة له في نفس اليوم ، وقد تخلف عن هذه البيعة مجموعة من الأنصار يتقدمهم سعد بن عبادة ومن المهاجرين بني هاشم يتقدمهم علي بن أبي طالب (ع) والعباس عم النبي محمد (ص) وبني أمية يتقدمهم أبو سفيان وخالد بن سعيد بن العاص .
وهكذا تم الانقلاب على الخلافة الحقيقية التي أسسها وثبتها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير عندما أخذ البيعة منهم جميعاً ، وهكذا أزاحت مجموعة من الأمة في سقيفة بني ساعدة القيادة الحقيقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (6) ، فما تعشيه اليوم الأمة من مآسي ما هو إلا نتاج ذلك الانقلاب .
(1) تاريخ دمشق – أبن عساكر ج3 ص273
(2) تاريخ اليعقوبي ج1ص103، تاريخ دمشق – لابن عساكر ج30 ص274
(3) الإمامة والسياسة - أبن قتيبة الدينوري ج1 ص25
(4) الإمامة والسياسة - أبن قتيبة الدينوري ج1ص26
(5) تاريخ اليعقوبي – اليعقوبي ج 1ص158 ، شرح نهج البلاغة – أبن أبي الحديد المعتزلي ج2ص26
(6) سورة الأحزاب آية 36 |