على صفحة حيدر العبادي

كنا نسمع، في الصغر، عن الملك فيصل الأول وكذلك عن الملك غازي ومن بعدهما نوري السعيد، رحمهم الله، انهم كانوا يتقصدون التنكر للتجوال بين الناس للتعرف على مشاكلهم وآرائهم. قصص وحكايات وطرائف كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا. سنّة عطرة سار عليها من بعدهم المرحوم عبد الكريم قاسم. نذكرها لأنها كانت تحدث بدون بهرجة وحمايات ومنصات معدة للخطابة والثرثرة واستعراض العضلات. راحت تلك الحكايات ودفنت في الذاكرة بعد ان مرّ عليها نصف قرن أو أكثر. جاء زمن "اذا قال صدام قال العراق". ثم راح ليحل محله زمن "ما ننطيها" و "مختار" الدربونة و "دولة" الرئيس". فخفخة ونفخة لا تشم منها ولا ترى سوى عجاج في عجاج. واليوم، لو أردنا حساب عدد الخطوات التي مشى بها من يحكمنا في شوارعنا فأظنها لا تتجاوز العشر. هذا إن كانت للحاكم العراقي خطوات بين المواطنين.
قبل يومين دعا الدكتور حيدر العبادي المواطنين من صفحته الشخصية على فيسبوك ان لا يبخلوا عليه بتعليقاتهم ومقترحاتهم خدمة للصالح العام. وكأنه يتوقع بعض ما سيحدث أكد بانه حتى ما يرد من اساءات او انفعالات من البعض سيتحملها بحكم موقعه ومسؤوليته وسيقابلها بروح متسامحة. مبادرة طيبة فيها شيء من سنة السلف الصالح الذين مررت على ذكرهم من حيث الهدف مع اختلاف الوسيلة.
كم كان مؤسفاً ان هذه المبادرة كشفت عن ظاهرة أخلاقية تشي بخلل تربوي فاضح في سلوك العراقيين. رجل نزع ثوب السلطة وتقرّب لنا عن طريق صفحة تواصل اجتماعي مجانية لم تكلف المال العام فلسا واحدا مبتدئا بالسلام علينا جميعا. فعلام هذا الشتم والاستهزاء من البعض به حتى من دون ردّ السلام عليه؟ لم يصدقوا انه فتح قلبه للإساءات فهجموا عليه ولسان حالهم يقول "عد عينك يا من تنخانه"!
لست بصدد الدفاع عن الرجل لأنه هو من فتح الباب وعليه ان يتحمل الريح التي تأتيه منه. لكني أشعر بالقرف من هذا التردي في التعامل والسلوك. أي خراب هذا الذي نحن فيه بحيث صرنا نشتم من يسلم علينا ويناشدنا المساعدة، لا بالمال، بل بمجرد تعليقات وآراء ناضجة؟
اجيبوني، ما فرق هؤلاء عمّن قال للإمام علي كم شعرة في لحيتي، يوم قال لهم: سلوني قبل ان تفقدوني؟