تعدد القيادات والتشكيلات هدر للموارد

 

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003  واستكمالاٌ لتدمير ما تبقى من قدرات العراق العسكرية أصدرت الإدارة المدنية للاحتلال قرارها سيئ الصيت بحل الجيش العراقي والأجهزة العسكرية والأمنية الأخرى وهذا القرار يشكل أحد أهم أهداف الغزو الأمريكي للعراق لكنه لم يدرس بشكل جيد لذا أصبح فيما بعد وبالاٌ على القوات الأمريكية خصوصاٌ بعد الفراغ الأمني الذي حدث في البلاد والذي أدى الى تصاعد العمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال وتكبدها خسائر كثيرة في الأشخاص والمعدات اثر نشاط المقاومة الوطنية المسلحة ضدها كما تصاعدت العمليات الإرهابية ضد المدنيين الأبرياء فأرادت قوات الاحتلال الخروج من هذا المأزق ولذر الرماد في العيون أعلنت تشكيل ما يسمى بالجيش الجديد والقوات الأمنية لكي توكل إليها مهام حفظ الأمن والتصدي للجماعات المسلحة التي تزايدت أعدادها ومرجعياتها  وأصبحت وأقوى تسليحاٌ وتنظيماٌ , وفي قرار خاطئ جديد للإدارة الأمريكية في العراق أصدر الحاكم المدني بول بريمر قرار دمج الميليشيات في الجيش الجديد والأجهزة الأمنية وبقراره هذا فهو قد دق المسمار الأول في نعش هذا الجيش والقوات الأمنية وتوالت المسامير الأخرى عندما منحت الرتب العليا لعناصر الميليشيات والأحزاب التي جاءت مع الاحتلال من الذين لا يحملون مؤهلات أكاديمية أو عسكرية وسيطر هؤلاء ومعهم الضباط الذين اخرجوا من الخدمة أو هربوا خارج العراق خلال الحرب الإيرانية العراقية 1980_ 1988  وهم برتب صغيرة ملازم أول ونقيب وأعيدوا للخدمة برتب عالية جداٌ كفريق وفريق أول دون تدرج في المناصب والرتب سيطروا على المناصب الرفيعة  والعليا في الجيش والأجهزة الأمنية وعلى مناصب الاستخبارات المفصل الحساس في المنظومة العسكرية والأمنية الذي يحتاج الى الكفاءة والخبرة والممارسة إضافة الى المؤهل الأكاديمي يضاف الى ذلك تسلم مناصب قيادية  عليا ومناصب مهمة أخرى عناصر غير كفوءة من ضباط الجيش السابق الذين انخرطوا في الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال ليتخلصوا من الاجتثاث ويحصلوا على مناصب  مهمة من خلال دعم أحزابهم الجديدة لهم وطغت المحسوبية والمنسوبية والوساطات والعلاقات الحزبية والطائفية على تشكيلات هذا الجيش والقوات الأمنية واستشرى الفساد من خلال سرقة الأموال المخصصة لأرزاق المراتب وسرقة رواتب ما يسمى بالفضائيين و بيع  مناصب القيادة والإمرة في هذا الجيش والأجهزة الأمنية بمبالغ كبيرة ليحتل هذه المناصب أشخاص غير كفوئين وغير نزيهين وغاب الضبط والنظام والسياقات العسكرية الصحيحة عن وحدات وتشكيلات الجيش والقوات الأمنية الأخرى وحلت محلها العلاقات الحزبية والطائفية والمناطقية وعلاقات صفقات الفساد والسرقة ,  إذن هذه هي الأرضية التي تم عليها بناء الجيش الجديد والقوات الأمنية حيث هشاشة الأساس وضعفه وكل بناء أساسه هشاٌ فبنائه يكون معرضاٌ للسقوط والانهيار لا محالة وهذا ما حدث فعلاٌ حيث فشلت قوات الجيش والقوات الأمنية  رغم كثرة أعدادها وتعدد تشكيلاتها وتسمياتها ورغم مليارات الدولارات التي صرفت على تدريبها وتجهيزها فشلت في تحقيق الأمن للشعب العراقي في جميع مدن العراق حيث ظلت العمليات الإرهابية والتفجيرات والاغتيالات والخطف والسطو المسلح والتعرض على مقرات ومعسكرات قوات الجيش والقوات الأمنية ومهاجمة نقاط التفتيش سمات المشهد الأمني في كل مناطق البلاد سنين طويلة  ,وفي أول اختبار لقوات الجيش وباقي الأجهزة الأمنية فشلت في التصدي لبضعة مئات من عصابات داعش عندما هاجمت الموصل ومن ثم صلاح الدين وكركوك وأجزاء من ديالى والانبار حيث انهزمت فرق الجيش والشرطة المجهزة بأفضل الأسلحة والمعدات ولم تصمد لساعات أمام مئات من الدواعش الذين سيطروا على الموصل وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى خلال ساعات كما استولوا على مستودعات الأسلحة والمعدات والتجهيزات لقوات الجيش والأجهزة الأمنية والتي تقدر أثمانها بعشرات المليارات من الدولارات , كل هذا الذي حدث كان نتيجة لأخطاء إستراتيجية ارتكبتها الإدارة الأمريكية والأحزاب والكتل السياسية التي جاءت مع الاحتلال والتي أرادت الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها وتحقيق مكاسب كبيرة أخرى في ظل غياب جيش وطني قوي وقوات أمنية تحفظ سيادة العراق وتحمي شعبه وتصون كرامته وتمنع سرقة أموال الشعب وثروات الوطن وتحافظ على أموال العراق و تسخرها لخدمة الشعب والوطن لا لخدمة أحزاب وكتل جاءت لتنهب وتسرق وتبني أمجادها وثرواتها على حساب تجويع وتدمير الشعب وتفكيك نسيجه الاجتماعي وحرمانه من أبسط الخدمات الأساسية التي يحتاجها ومن أبسط حقوقه في الحياة الحرة الكريمة بالاستفادة من أمواله الطائلة والعمل على إثارة الصراع الطائفي بين مكوناته وتدمير وحدة  هذا الشعب والوطن والعمل على تقسيمه الى كونتونات طائفية وقومية يسهل ابتلاعها من قبل أعداء العراق والمتربصين به شراٌ  هذا البناء غير الصحيح لقوات الجيش والأجهزة الأمنية وكثرة تشكيلاتها وأعدادها وتسمياتها وعدم كفاءة ومهنية ونزاهة القيادات العليا والدنيا وقلة خبرتها  وفسادها وسوء إدارة المنظومة العسكرية والأمنية من قبل الأحزاب التي سيطرت على مقاليد الأمور في البلاد واستشراء الفساد المالي والإداري في جميع مفاصل القوات المسلحة وبروز ظاهرة ما سمي بالفضائيين يعتبر أكبر عملية هدر لأموال العراق ولقدراته وإمكاناته العسكرية الأكاديمية والمهنية المجربة والوطنية والنزيهة ويضاف الى هذا الهدر الكبير والمتعمد هدر آخر لا يقل عنه خطورة واستنزافاٌ لأموال العراق وطاقاته البشرية وقياداته العسكرية والأمنية والمتمثل بتعدد التشكيلات وتسمياتها وتعدد قياداتها وتعدد مقراتها واستنزاف الأموال الكبيرة لتسليحها وتجهيزها وتدريبها وتهيئة معسكرات ومقرات إسكانها فمنذ تأسيس الجيش العراقي عام 1921  ومن ثم الشرطة بعدها بوقت قصير لا توجد في العراق منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا غير قوات الجيش والشرطة , والجيش كما هو معروف واجباته حماية حدود الوطن والحفاظ على سيادته وكرامة شعبه وواجبات الشرطة هي حفظ الأمن الداخلي لكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتشكيل الجيش الجديد والقوات الأمنية الأخرى حاول السياسيون وبتشجيع من الأمريكان ولهدر المزيد من أموال العراق وطاقاته استنساخ التجربة الأمريكية في تشكيل قوات عسكرية تحت مسميات شتى لا تحقق أي هدف إستراتيجي أو سوقي أو تعبوي لا تستطيع قوات الجيش تحقيقه فجاءوا لنا بالفرق الذهبية وبقيادة قوات مكافحة الإرهاب وقوات النخبة وغيرها من التشكيلات والتسميات لإحداث التمييز والفرقة بين القوات  المسلحة للبلد الواحد وعينوا لهذه التشكيلات قادة برتب فريق ركن وآمرين لوحداتها وهيئات ركن وهيئوا لها مقرات خاصة ومعسكرات لإسكان منتسبيها وجهزوها بتجهيزات عسكرية متطورة وأسلحة حديثة كل ذلك من أجل هدر طاقات العراق البشرية والمادية ولكي تحقق  الشركات الأمريكية للاىسلحة والآليات والتجهيزات الأرباح الطائلة من أموال العراق و من أجل تسميات رنانة كتلك الموجودة في أمريكا وكأن العراق يحتاج الى قوات متعددة وجيوش كبيرة  وهيئات ركن مختلفة لكل أسلحة الجيش وقواتها مثل أمريكا العظمى التي لها مصالح في كل بقاع العالم ولها قوات وقواعد عسكرية في مختلف البلدان والمناطق ,هذا هو الهدر الكبير والاستنزاف الغير مبرر لأموالنا وقدراتنا العسكرية والمالية فالعراق لا يحتاج إلا الى جيش قوي مسلح بأسلحة حديثة ومدرب تدريباٌ جيدا ومجهز بتجهيزات ومعدات وآليات متطورة والاهم من هذا كله إن هذا الجيش وطني يضم كل فئات وقوميات وطوائف الشعب العراقي دون تهميش أو تمييز لمكون معين يقوده قادة وطنيون  ونزيهون ومن ذوي الخبرة والتجربة والكفاءة لا ينتمون لأحزاب طائفية وكتل سياسية فاشلة وفاسدة هدف هذا الجيش حماية العراق والحفاظ على سيادته وصون ترابه وحماية شعبه ولا تهم التسميات وتعدد التشكيلات والقيادات التي يصعب قيادتها ويصعب التنسيق والتعاون فيما بينها فما الذي يحدث لوسميت  فرقة مكافحة الإرهاب الأولى بالفرقة الخامسة في الجيش والفرقة الذهبية بالفرقة السادسة في الجيش ولماذا نخلق تشكيلات غير متجانسة وقيادات متعددة وكلما تعددت القيادات صعبت عملية القيادة والسيطرة وصعبت عملية تخصيص الإسناد الجوي والإسناد المدفعي والفني والإداري وعمليات الاتصالات والتنسيق وتبادل المعلومات , ثم ما الداعي لوجود قيادة القوات البرية مع وجود رئيس أركان الجيش ومعاونوه وما الداعي لوجود قيادة القوات المشتركة مع وجود رئيس أركان الجيس ومعاونوه فرئيس أركان الجيش ومعاونوه هم من يشرفون ويوجهون كل العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية وبقيادة مركزية واحدة لا بقيادات متعددة كما يحصل الآن فهذه القيادات قيادة القوات البرية وقيادة العمليات المشتركة وقيادة قوات مكافحة الإرهاب وحتى قيادات العمليات في المحافظات هي هدر كبير لقدراتنا العسكرية ومواردنا البشرية المتمثلة بالقادة والأمرين وهيئات الركن وتبذير كبير لأموالنا وكل هذه القيادات والتشكيلات نحن في غنى عنه كجيش عراقي محدودة قواته وتشكيلاته ومعروفة واجباته فما الداعي لخلق مراكز قيادة متعددة لكل منها استقلاليتها ولكل منها خططها وقراراتها ولكل منها قادة  وآمرون وهيئات ركن ومقرات ومعسكرات وأسلحة وآليات ومصروفات كبيرة لا داعي لها ونحن نواجه عدواً محدداً ومعروف وليس بتلك القوة والهالة التي صنعها له الآخرون وعدونا هذا يستوجب توحيد الجهود وتوحيد مصادر صنع القرار وتوحيد الأوامر والتوجيهات لسهولة تنفيذها على الأرض ولا داعي لكثرة التشكيلات والمسميات والقيادات الميدانية التي يصعب السيطرة عليها ويصعب تنسيق جهودها ويصعب التعاون بينها وتؤدي الى تشتيت جهودنا ومواردنا وفاعلية أسلحتنا كسلاحنا الجوي وسلاح طيران الجيش وتشتت كذلك إسنادنا الناري والمدفعي والفني والإداري وتستنزف الكثير من أموالنا التي نحن بأمس الحاجة لها في الظروف الحالية فالمفروض دمج كل القيادات والتشكيلات التي أوجدها الأمريكان لغايات معروفة والتي تستنزف الكثير من قدراتنا المالية والبشرية مثل قيادة القوات المشتركة وقيادة القوات البرية وحتى قيادات العمليات وجهاز مكافحة الإرهاب والفرق الذهبية وغيرها من التشكيلات والتسميات بفرق وقيادات الجيش العراقي مادام جيشنا يواجه عدواً واحداً وعلى أرض واحدة  ليكون للعراق  جيشاٌ واحدا اسمه الجيش العراقي بفرق وتشكيلات موحدة و بقيادة واحدة ممثلة برئاسة أركان الجيش التي تنفذ توجيهات القائد العام للقات المسلحة والتي يجب أن تخضع لها جميع القوات البرية والجوية وطيران الجيش والبحرية ليكون مصدر اتخاذ القرار واحد والخطط  التي تعد موحدة وآلية تنفيذ هذه الخطط  واحدة  لتسهل عمليات التنسيق والتعاون والتوجيه  والتنفيذ والمتابعة وهذه الأمور تسهل وتختصر عمليات القيادة والسيطرة وتقلل الهدر والاستنزاف غير المبرر لموارد العراق العسكرية والمالية وطاقاته البشرية كما تقلل الجهود المبذولة وتختصر الكثير من الوقت الذي يصرف لمعالجة المواقف والأحداث في ساحات القتال  والذي يهدر بسبب إصدار الأوامر والتوجيهات لقيادات متعددة مع صعوبة عملية متابعة كل هذه القيادات كما هو الحال في قواتنا المسلحة الحالية ,ويجب أن تسري عملية توحيد القيادات والتشكيلات على قوت الشرطة وإلغاء التسميات والتشكيلات غير المتجانسة كقوات سوات وقوات الطوارئ ومغاوير الداخلية وغيرها من التشكيلات وإخضاع  جميع قوات الشرطة الى تشكيلين أساسيين فقط هما الشرطة الاتحادية والشرطة المحلية ولكل منهما مهامها وواجباتها المعروفة اقتصاداٌ بالموارد والقدرات المادية والبشرية والحد من عمليات استنزافها وهدرها ولسهولة القيادة والسيطرة  .