الغجر العراقيون تراثٌ أيضا

لوركا شاعر اسبانيا وعملتها الرائجة التي لا تتأثر بتقلبات البورصة . والفلامنكو الرقصة الغجرية الاسبانية واحدة من اهم بصماتها الحضارية والفنية . وربما هي اكثر بلد في العالم من تطبع وجوه الغجر ورقصاتهم الساحرة على طوابعها منذ احلام ( كارمن ) والى اليوم.

العظيم الروسي بوشكين اجمل قصصه كتبها عن الغجر ـ والشعوب السلافية أجمل ما في تراثها الاغاني والحكايات الغجرية الشفاهية والمكتوبة . وفي الستينات راجت موجة قراءة الروايات الغجرية التي كتبها الروائيين اللبنانيين الاسكندر رياشي ورفيق العلايلي . ويقال ان للغجر بفضل ما توارثوه عن اصولهم الهندية ــ الغامضة التأثير الكبير على ولاة سلاطين ال عثمان في مدن الشام .

وربما اجمل اغاني الريف التي صنعت منها اذاعة بغداد في خمسينيات وستينيات السحر والعذوبة وجعل الناس يتقاطرون على شراء راديو الفيليبس والسيرا ابو اللمبة هي تلك الثنائيات الغنائية الساحرة التي كان طرفاها المطرب الخالد داخل حسن بالرغم ان داخل حسن كان عربي اصيلا ( مواليد مدينة الشطرة 1909) ولكنه شكل وبنت الريم وبناتها ذلك الثنائي الرائع ، فيما مثلت اصوات سورية حسين وحمدية صالح وغيرهن توهج الروح العجرية في نقل لوعة الروح والشجن . وربما رواية الروائي العراقي ( نجم ) والي الموسومة الحرب في حي الطرب ابتلت بشهرة غريبة وكانت من ممنوعات ثقافة التسعينات لأنها تنقل الحرب من جبهات القتال الى حي الطرب الغجري في البصرة الذي كان ساحة للأنس والرقص والمضاجعة.

وبعيدا عن النظرة الدونية للغجر ( الكاولية ) بسبب اشكالية المهنة بين السحر وتركيب اسنان الذهب واحياء حفلات الاعراس والدعارة ـ فأننا مع اختفاء هذا المكون الضئيل وانحسار امكنته وتحوله الى الامكنة المتحضرة مثل الملاهي والنوادي فأن علينا ان نعترف ان الغجر شكلوا ظاهرة حضارية اجتماعية في حياة المجتمع العراقي منذ قدومهم من الهند الى العراق منذ سالف العصور وحتى غيابهم عن الواجهة المجتمعية العراقية والى الابد.

وأظن ان مجلة التراث الشعبي وبعض الكتب القليلة في العراق قد رصدت تلك الظاهرة الاجتماعية في الكثير من جوانبها ، لكن مع اندثارها واختفاءها من المشهد الاجتماعي ينبغي ان نؤرشف ما كان يمت حياتها .فمهما يكن لقد كانوا من بعض المؤثرات في عمق الشخصية العراقية واهمها ما رصده نجم والي حين يصيب الجندي جفاف خنادق الحرب الشقية ويحتاج الى جسد أثنى.