النظر لبغداد بعين فنان

 

الفرق بين نظرة الإنسان العادي والمثقف الذي يبحث في الواقع ليكتشف الحقيقة وتجديد حياته نحو الأفضل، أن رؤية المثقف للأشياء التي تحيط به أو يلتقي بها تكون رؤية فاحصة لأكتشاف ما ينفعه وما يضره وبالتالي الوصول إلى عمق الشيء الذي  ينظر إليه مستخدماً نظرية (الشك) في مقاديره وميزان قناعته في تشخيص مفردات الحياة التي تطرح على الناس من حدب وصوب لتفرض عليهم من دون أن يفهموا أو يستوعبوا أبعادها وما تخفيه من ملابسات قد تضرّ بمستقبلهم قبل حاضرهم المؤلم، فعليه علينا أن نتعلم كيف نرى..؟ وكيف نشخص ما يصدر إلينا من الأقوال التي تخلو من (الأفعال) التي لا تصب في ينابيع الجماهير المتعطشة لقطرة من ماء الحياة..! وهنا تحضرني قصة (عيون تنظر ولا ترى) قرأتها عن فنان إيطالي كان صدره (يضيق) كلما مر في الأحياء المتواضعة من بلده، إذا لم تكن تقع عيناه هناك إلاّ على بشاعة هنا وفقر هناك، ثم خطر له ذات يوم أن ينظر في تلك الأحياء بعين الفنان التي تستخرج الصور، فهالته خصوبة لم يتوقعها، في كل خطوة يخطوها صورة يثبتها على اللوحة فإذا هي آية من الروائع..! ولا أدري لماذا لم تستخدم المؤسسات الخدمية الأسلوب، لمعالجة التردي المزمن أصاب الناس وبغدادهم التي أعفر وجهها الجميل وأصفر من شدة الإهمال؟ لتتذيل العاصمة (بغداد)وتغرق ويطوف ساكنيها في الأوحال حينما تمطر السماء ويتحول من نعمة إلى نقمة. والرقم الأخير من قائمة أفضل مدن العالم بالنسبة لجودة الحياة ومستوى المعيشة للعام2015 حسب مؤشر (ميرسر) في تقرير نقلته (شفق نيوز) ضمت (221) مدينة حول العالم. فمتى يستطيع الناس السير في شوارع بغداد ناظرة إليها بالعين التي تستخرج الصور التي تستوقف النظر، فعندئذ ترى كنزاً نفيساً مما يزخر به هذا البلد من نفائس، حتى الأشياء التي قد تكون منا موضع النقد حيناً بعد حين، ينظر إليها بعين تشبه عين الفنان، فإذا هي باعثة على النشوة التي ليس بعدها نشوة، وليس كما يراها الآخرون بعيونهم الفاحشة..!