إعداد مسرح العمليات لمرحلة جديدة من الحرب على داعش ؟ |
تتزايد الطروحات والآراء بشأن جدوى الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ضد تنظيم داعش الارهابي في كل من العراق وسوريا ، في مؤشر على فشل ذريع لاستراتيجية الامريكية في محاربة التنظيم الارهابي ! الأمر الذي دفع أوساط في الادارة الامريكية الى ترجيح كفة الداعين الى استخدام القوات البرية لمحاربة تنظيم ، خصوصا” بعد تسونامي النزوح من العراق وسوريا باتجاه أوربا وكذلك ما شهدته باريس من عملية ارهابية منسقة في يوم الجمعة 13 تشرين الثاني 2015 ذهب ضحيتها اكثر من 500 شخص بين قتيل وجريح . والسؤال المطروح هل أن هذه الطروحات والدعوات مقدمة لإعداد مسرح العمليات لمرحلة جديدة من الحرب ضد تنظيم داعش ؟ وهل سيكون التدخل البري هو الخيار الاستراتيجي للتحالف الدولي للحرب على تنظيم داعش الارهابي ؟ حملة برية أولى الطروحات عن التوجه الامريكي للشروع بحملة برية ضد تنظيم داعش الارهابي جاء على لسان جون ماكين ولينزي غراهام العضوين الجمهوريين الكبيرين في مجلس الشيوخ الأمريكي اثناء زيارتهما للعراق في نهاية نوفمبر 2015 عندما وجها نقدا” لاذعا” الى الاستراتيجية التي ينتهجها الرئيس باراك أوباما بشأن تنظيم داعش الارهابي ، والتي تعتمد على الضربات الجوية والدعم المتواضع للقوات البرية المحلية في العراق وسوريا ، ودعيا إلى زيادة القوات البرية الامريكية في العراق إلى ما يقرب من ثلاثة أمثال مستواها الحالي إلى عشرة آلاف جندي وإرسال عدد مساو من الجنود إلى سوريا في إطار قوة برية متعددة الجنسيات لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية داعش ، قوامها 100 ألف فرد من دول عربية سنية مثل مصر وتركيا والسعودية .! ولكن هذا المقترح لم يلقى أي قبول من الجانب العراقي أو من جانب الدول المشار اليها في مقترح ماكين /غراهام ..وهنا لابد لنا من الاشارة أن سيناريو طرح هذا المقترح والتوقيت والمكان الذي طرح فيه كان يدل بشكل ما على أن هناك شيء ما يطبخ في دهاليز وكواليس البنتاغون والبيت الابيض ؟ خصوصا” وان طرحه جاء في اعقاب قمة العشرين للدول الصناعية التي عقدت في تركيا والتي طغت عليها اجواء ونقاشات الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي . ليعلن وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، بتاريخ 1/12/2015 ? عن تشكيل “قوة استهداف متخصصة للتدخل السريع″ لإجراء المزيد من العمليات الأمريكية في العراق ، الامر الذي اثار جدلا” واسعا” في الاوساط السياسية والشعبية العراقية بشأن طبيعة مهمات هذه القوة وحجمها والغاية من علان ارسالها دون التشاور مع الحكومة العراقية التي ابدت تحفظها حول وجود قوات برية اجنبية على اراضيها .التطور الآخر اللافت للنظر كان اعلان رئاسة إقليم كردستان في 28 تشرين الثاني 2015 عن زيارة مفاجئة لرئيس الإقليم مسعود البارزاني الى بعض دول الخليج بدأت البارزاني بدولة الإمارات العربية المتحدة ثم المملكة العربية السعودية التي وصلها في 1/12/2015 في زيارة وصفت بانها لبحث افاق التعاون المشترك بين (الاقليم) والمملكة السعودية ، الا أن اللافت للنظر هو تأكيد عدد من المسؤولين السعوديين أن أي حل ستشهده المنطقة سيكون لإقليم كردستان دورا فيه.. وفي نفس السياق علق المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان كفاح محمود، قائلا” ( أن السعودية دولة لها علاقات وروابط متينة مع الاقليم) ، ورأى ( انه “آن الاوان” لوضع خارطة جديدة للمنطقة )..!؟ في اعقاب هذه الزيارة التي لم يعلن بشكل واضح عن فحواها وما جرى بحثه خلالها بين الطرفين السعودي والكردي قامت تركيا التي تحتفظ بعلاقات ممتازة مع الرياض واربيل يوم 3/12/ 2015 بدفع قوة مدرعة من ثلاث كتائب مدعومة بالمدفعية والدبابات ، الى عمق الاراضي العراقية عبر محافظة دهوك لتنفتح وتنتشر في اطراف مدينة الموصل وبالتحديد في معسكر بعشيقة .! فيما نقلت وكالة رويترز، عن مسؤولين أميركيين إن الولايات المتحدة على علم بإرسال تركيا مئات الجنود الأتراك لشمال العراق، لكنهما أوضحا أن تحركها ليس جزءا من أنشطة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش . ومع ذلك فان وزير الخارجية الامريكي جون كيري صرح بتاريخ 4/12/ 2015 في العاصمة الصربية في اجتماع وزاري لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا أنه “من دون امكانية تشكيل قوات برية جاهزة لمواجهة داعش، لا يمكن كسب هذا النزاع بشكل كامل بالضربات الجوية فقط”.وعلى الرغم من الادانة العراقية للخرق العسكري التركي للسيادة والحدود العراقية دون سابق علم او اتفاق من قبل او مع الحكومة العراقية الاتحادية في بغداد ، وبعد اتصال هاتفي بين رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البارزاني ورئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي بتاريخ 8/12/ 2015 قام رئيس الاقليم مسعود برزاني في اليوم التالي أي بتاريخ 9/12/ 2015 بزيارة العاصمة التركية انقرة ، والتقى بمدير جهاز المخابرات التركي حقان فيدان ، ثم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو وبحث معهم ل تأزم العلاقة بين تركيا والعراق على خلفية نشر تركيا لقوات عسكرية في شمال العراق…! وبتاريخ 10/11 ديسمبر 2015 أي في اعقاب زيارة مسعود البارزاني الى انقرة أرسلت تركياً وفدا برئاسة وكيل وزارة الخارجية التركي فريدون سنرلي أوغلو ورئيس جهاز المخابرات حاقان فيدان الى العاصمة العراقية بغداد لمناقشة التواجد التركي على الاراضي العراقية . الا أن مباحثات الوفد التركي لم تسفر عن اي حل للازمة بين بغداد وانقرة ، حيث صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أنه لن يذعن للمطالب العراقية بسحب قوات أنقرة من معسكر بعشيقة ، وأن تركيا ستتخذ كل الاحتياطات التي من شأنها ضمان أمنها، مشيرا إلى أن الحكومة المركزية في العراق “غير قادرة” على اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد أي هجوم إرهابي يستهدف بلادها؟!.وعلى الرغم من أن العراق أكد أنه لم ينسق مع روسيا الاتحادية بشأن دعوتها مجلس الامن بتاريخ 8/12/2015 لمناقشة دخول القوات التركية إلى داخل الأراضي العراقية ، ألا أنه بتاريخ 12/12/2015 عاد العراق وقدم شكوى رسمية الى مجلس الامن الدولي ضد تركيا بدعوى انتهاك أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة على خلفية دخول قوات تركية شمالي البلاد .استنادا” لما سبق فإن سياق الاحداث في الشرق الاوسط وخاصة في العراق وسوريا يتجه الى مزيد من التوتر والتعقيد فإرسال أنقرة قواتها في هذا التوقيت كان رسالة أرادت من خلالها تركيا التأكيد على إنه لا يمكن إجراء ترتيبات بشأن مستقبل العراق أو سوريا ، دون استشارة تركيا، خصوصا” مع زيادة المؤشرات التي تدل على اقتراب تحرير الموصل من قبضة تنظيم “داعش” ،وقرب التوصل الى حل سياسي للصراع المسلح في سوريا . كما أن تزايد الصراعات الحزبية والسياسية في اقليم كردستان العراق بسبب تطلع رئيسه مسعود بارزاني الى طرح نفسه كقائد تاريخي للأكراد في منطقة الشرق الاوسط من خلال السعي للتلويح بالانفصال عن العراق وتأسيس دولة كردية ، من خلال استخدام واستثمار علاقته مع تركيا كورقة ضغط ضد خصومه السياسيين المعارضين لاستمراره بولاية ثالثة على الاقليم الكردي ، كلها عناصر مؤثرة بشكل كبير على مخططات اعادة رسم الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الاوسط . في حين يسعى الرئيس الامريكي باراك اوباما الى ترحيل ملف الحرب على داعش الى خليفته الرئيس الامريكي الذي سيدخل البيت الابيض مطلع عام 2017 خصوصا” بعد تزايد الانتقادات لاستراتيجيته في محاربة التنظيم الارهابي ، المعتمدة على استخدام الضربات الجوية فقط ضد داعش ، دون الانجرار الى ارسال قوات برية امريكية للحرب على داعش وهو أمر لم يعد يلقى استحسانا” من قبل الاميركيين ! حيث أظهر استطلاع رأي جديد نشرته شبكة “CNN” أن نسبة المؤيدين لإرسال قوات برية إلى العراق أو سورية 36 بالمئة من الديموقراطيين، بينما ترتفع إلى 69 بالمئة في صفوف الجمهوريين ، الامر الذي يشير بوضوح الى أن آراء الجمهوريين والمتعاطفين معهم تبدي انتقادا كبيرا للطريقة التي تسير بها الأمور ضد داعش في سورية والعراق وتدفع باتجاه استراتيجية مختلفة لقتال التنظيم الارهابي في العراق وسوريا تستند على تشكيل قوات برية مشتركة يشرف عليها ويقودها الامريكيون . وهذا ما تروج له روسيا وتدفع باتجاهه بشكل كبير بعد أن تدخلت بشكل قوى في الصراع والحرب ضد تنظيم داعش في سوريا .. وتبقى حقيقة ميدانية شاخصة للعيان وتعتبر محورا” لكل الاحداث والتوترات القائمة ليس فقط في الشرق الاوسط بل في العالم كله هي أن بقاء تنظيم داعش الارهابي ككيان ارهابي على الاراضي العراقية والسورية دون القضاء عليه بالسرعة الممكنة ، سيشكل تهديدا” مستمرا” ومتزايدا” ومتصاعدا” للسلم والاستقرار والامن الاقليمي والدولي ..ان الطريقة الوحيدة لضمان استقرار المنطقة والقضاء على داعش تكمن في تقوية الجيوش النظامية المحلية بما يمكنها من التصدي والقضاء على هذا التنظيم الارهابي بالإضافة الى العمل من اجل استقرار النظم السياسية في المنطقة لخلق بيئة سياسية واجتماعية قادرة على التصدي للفكر التكفيري المتطرف ، وأن أي مشروع لإعداد مسرح العمليات لتدخل قوات برية اجنبية في المنطقة ، لا يأخذ بنظر الاعتبار دور الجيوش النظامية المحلية سيكون مشروعا” فاشلا” ولا يحقق الهدف والغاية من الحرب على الارهاب..
|