كسروا الأقلام هل تكسيرها يمنع الأيدي أن تنقش صخراً |
الحرية مثلها مثل الامن غير قابلة للتجزئة واذا كانت هناك من حسنات لمرحلة مابعـــد 2003 فهي حرية التعبيرعبر الصحف والمجلات والاذاعات والفضائيات، إضافة الى مواقع التواصل الأجتماعي التي تمكنت من أستقطاب ملايين المستخدمين بأعمار مختلفة وحولت قطــــاعا واسعا من الشباب الى إعلاميين ومصورين برغبة منهم أم بدونها.
وكما أظن إن الدستور العراقي كفل الحريات بما فيها حرية التعبير، وقانون حماية الصحفيين هو الآخر يصب في الأتجاه نفسه وغيرهما، ايضا ميثاق الشرف الصحفي الذي وقعته وسائل الإعلام مكرهة، ذلك كله يشكل دعامة أساسية في الأنظمة الديمقراطية توفرمساحة واسعة من النقد في إطار الرقابة وتصحيح الأخطاء وتقديم المقترحات والملاحظات البناءة للحكومات، لكن يؤسفنا القول اننا في العراق وبرغم كثرة وسائل الإعلام وتنوعها وبرغم متابعاتها الدقيقة والمتواصلة للقضايا الكبيرة والصغيرة الا إننا لم نلمس تجاوبا حقيقيا من الجهات المعنية يضع الأمور في نصابها.
في كل يوم تطالعنا الصحف والاذاعات والفضائيات بعشرات (البلاوي) من الطراز الثقيل التي ترهق المواطن وتعجل من رحيله إما الى خارج الوطن أو الى السماء، لكن أحدا لم يقرأ ردا على ماينشر أو يبث يطمئن الوسيلة الاعلامية والمواطن المبتلى على حد سواء، في المقابل نجد زيادة ملحوظة في عدد الدعاوى المرفوعة ضد الصحفيين والاعلاميين تصل مبالغ غراماتها الى ارقام فلكية تعادل رواتب العاملين في الصحافة لسنة أو ربما أكثر، فأي منطق هذا وهل يعقل أن يوظف المسؤول أمكانات الدولة لتوجيه تهمة ضد الأعلامي بينما يقف الأخير عاجزا عن الدفاع عن نفسه وفي الغالب لا يكفي راتبة أكثر من خرجية نصف شهر بالتمام والكمال.
نعم يحق للمسؤول عن يرد الأتهام عنه من خلال حق الرد وهو مكفول للجميع وفي المطبوع او الوسيلة الإعلامية نفسها التي وجهت الأتهام اليه، فلماذا يستخدم أمكانات السلطة في قمع الأقلام الوطنية الشـــريفة، التي تجد نفسها مرغمة على الوقوف في قاعات القضاء للدفاع عن نفسها، وليس تهكماً أضطر الأعلامي والقلم المعروف الدكتور حميد عبد الله الى ترك أنشغالاته التي ذهب من أجلها في عمان للمثول أمام القاضي للأدلاء بأفادته في الدعوى المرفوعة ضده وأذا به يكتشف وجود دعوى أخرى ضد جريدته أمام محكمة الإعــــلام.
نتمنى أن لا يكون أحدا فوق القانون بخاصة في قضايا الفساد المالي والأداري والأرهاب والأهمال المتعمد لا أن تتوسع دائرة المتهمين بقضايا الرأي في الوقت الذي يتطلع فيه العراقيون الى إقامة نظام ديمقرطي تعددي يستوعب كل الآراء والأحزاب والقوميات والطوائف، لذا ينبغي أن تتدخل الرئاسات الثلاث لوضع ميثاق شرف يوقع عليه المسؤول بعدم التعرض للصحفي والكاتب الا في حدود معينة ومحددة، أما اذا أستمر مسلسل الأتهامات ضد الصحف ووسائل الاعلام فلن يطول الوقت الذي نجد فيه العراق الديمقراطي بلا صحافة وأعلام حقيقي يمارس سلطته الرابعة ويتبنى هموم المواطن ومشاكله المتزايدة مع الدولة.
قال أحد الشعراء يوسفني أني لم اعرف أسمه وهو شــعر قديم على حد علمي أحتـــوى في مضــمونه على تعبيـــر صــــادق عن حرية الرأي :
كسروا الأقلام هل تكسيرها
يمنع الأيدي أن تنقش صخرا
قطعوا الأيدي هل تقطيعهـا
يمنع الألسن أن تنطق شعرا
أسكتوا الألسن هل اسكــاتها
يمنع الأعين أن تنظر شزرا
اطفئوا الأعين هل إطفـاؤها
يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا
|