أمس بالليل ضاق صدري. نزلت أشم هوا. الدنيا باردة وثلج خفيف بدا ينزل. براس الشارع موقف باص. داخل الموقف يجلس مشرّد تفوح منه ريحة الكحول. سلّمت عليه، هااي، ما ردّ. طلّعت الباكيت، ورّثت جگارة. أشّر لي بأصابعه، ناوشته وحدة وورّثتها له. كان وضعه مريباً، يخفي تحت معطفه ما لا أدريه. وكانت نظراته مخيفة وطريقة تعاطيه مع الجگارة غريبة. ياخذ نفس وينفخه بوجهي وهو خاصم عينه ويهز براسه كأنّه يقول لي: بسيطة انا أعلمك. بصراحة انجرّ بوشي، والفار بدا يلعب بعبّي. هممت بالوقوف، فأمسك بفخذي وقال بعينيه المريبتين: خلّيك. تسارعت دقات قلبي وأوشكتُ على الانهيار. يدي ترتجف. فمي يرتجف. أذناي احمرّا من الخوف أيضاً. الباص تأخّر والطريق خالية من المارّة. أريد العودة الى الدار فلا أستطيع. أنهى المريب سيجارته ووقف أمامي. عوى كالذئب آآووووو وفك أزرار معطفه، فكدت أفعلها على نفسي. قلت سينفجر ويقتلني معه. أغمضت عينيَّ بانتظار تكبيرة قد جعلوا منها مسمار قنبلة يليه دويّ انفجار وتناثر أشلاء. لكنه لم يكبّر. لم ينفجر. لم تتشظى عظامه فوق جسدي. نعم نعم، سمعت صوتاً، لكنه ليس صوت حزام ناسف، ولا عبوة، ولا قنبلة يدوية ولا أي أداة من أدوات الجنّة الحديثة. كان فقط دويّ ضرطة أطلقها اللعين بوجهي وهرب. ابن الكلب جرّ بوشي. كنت أخاله سيرسلني الى حتفي كخبر عاجل. عدت الى الدار وجسدي لا زال يرتعش. جلست على السلّم الخارجي للدار ريثما أستريح. خرجت جارتي البولونية تدخن سيجارة. أشعلت لي واحدة وحكيت لها ما جرى لي في موقف الباص. ضحكت وقالت: عجيب أمركم يا آزر.. أحفاد گلگامش، صار حتى المشرّد يجرّ بوشكم؟! قلت لها: هو شنو اللي عمّ علينا غير سالفة گلگامش وصاحبه أنكيدو.. خلّصنا عمرنا ناكل حضارة ونتريع أساطير، تالي ما تالي أكلنا خازوق امعدّل، خلي أصعد أنخمد أحسن لي.. تصبحين على خير. صعدتُ السلّم، فنادتْ خلفي الجارة الطيّبة: آزر.. آزر.. شنو يعني خازوق امعدّل؟ الخازوق يا عزيزتي عمود حديدي مدبّب الرأس بقطر ستة إنش تقريباً... إي.. كمّلْ. وجعييي، روحي انطمري. |