وصمة عار ..في تاريخ التعليم العالي! |
من البديهي أن تخلو خزانة الدولة من السيولة, في ظل رواتب المسؤولين الخيالية ووجبات الضيافة, في أروقة القصور والمكاتب الفخمة, ناهيك عن وجبات الساسة أنفسهم سواء كانوا وزراء أو نواب, فحسب الأرقام المعلنة عن وجبات مجلس النواب تتجاوز كلفة غداء المجلس, 2مليون ونصف لليوم الواحد, وبهذا تصل كلفة غداء النواب 75 مليون لمدة شهر واحد! هل عرفتم أين تذهب أموال الدولة المفلسة؟ هذا غيض من فيض, أما ما يحصل خلف الكواليس, فالأيام وحدها كفيلة بأن تظهره للعلن. سياسة أدارة الأزمات تلك, دفعت الساسة الى أتباع اساليب مختلفة, لإذلال المواطن بدعوى التقشف, الذي لم يسمعوا عنه في أروقة قصورهم, ولم يصل الى ضيافة مكاتبهم, ولم يؤثر على ماركات سياراتهم, وسيارات أبنائهم, لكنه وصل الى عظم المواطن الفقير, وبدأ ينخر جسده, وما يحصل في التعليم العالي, نموذج لما يدور في أروقة الوزارات والمؤسسات المتقشفة. الأجر اليومي نظام مستحدث في الحكومة العراقية, بعد أن اصبح التعيين حكراً على جمهور النواب, فكل نائب بعد أن يحصل على مقعد برلماني, يحمل ملفات التعيين ويتجه لوزير من كتلته, وعده بتعيين من منحهم الأصوات ليصبحوا نوابا أو وزراء وهكذا تتم الصفقات, فيبقى نظام الأجر اليومي للفقير, ومن لم يوفق في الألتحاق بركب النائب أو الوزير. وصلت أزمة الاجر اليومي الى أروقة التعليم العالي, وحط رحالها عند أبواب الاساتذة, فحملة الشهادات من الماجستير والدكتوراه يعملون كأجراء! لكن بلا أجر وفق نظام يسمى (محاضرين). المشكلة في النظام الآنف الذكر, أن الاستاذ يجب أن يعمل لمدة 4 أو 5 سنوات, دون أجر يذكر, حتى يناله العطف الأبوي ويحصل على درجة وظيفية! خلال تلك السنوات يتجرد الأستاذ من كل معاني الكرامة, فعليه أن يعمل في أكثر من مجال, لينال رضا رئيس القسم, أو ينال رضا رئاسة الجامعة, فهو يجب أن يقدم فروض الطاعة والولاء لكل من هب ودب, والمفترض به أن يتقن أكثر من مهنة فيعمل سكرتير, نجار, كهربائي, عامل نظافة, بالإضافة الى كونه محاضر, والا فأنه مهدد بالطرد من قبل القسم الذي يؤدي فيه أكثر من دور, دون أجر يذكر. هكذا وصل الحال بأساتذة الجامعات, ممن لا يمتلكون ( واسطة), وهكذا تعامل بعض الجامعات من يقع تحت سطوتها, بينما من تربطه صلة بوزير أو نائب سيصل الى ما يصبوا اليه دون عناء يذكر, كيف تنجح دولة تعامل كفاءاتها بتلك الطريقة؟ وكيف يحترم الطالب أستاذه؟ وهو يعمل سكرتير وكهربائي, لينال رضا رئيس قسم أو رئيس جامعة؟ و ما الذي سيكتبه التاريخ عن القائمين على التعليم العالي؟ الذين أرتضوا لأنفسهم أن يوصموا بوصمة عار, وهم يهينون عقول أبناء شعبهم, ويمتهنون كرامتهم؟
|