شسوار مجلس الأمن

يبدو ان الغباء الذي سمّاه العراقيون، بذكاء، "موهبة"، صار وباءً عالمياً وصل حتى الى أروقة مجلس الأمن. أكبر دولتين بالعالم تفتخران انهما نجحتا بإصدار قرار أممي يدعو الى تجفيف منابع تمويل داعش. اطكع من تلك التي حدثت بسوق الصفافير العراقي. الدواعش يذبحون ويحتلون مدناً وبلداناً ويغزون أوروبا في حضن أمها، ومجلس الأمن يمنح تفويضاً بالإجماع لاستعمال الشسوار لتجفيفهم. ما كان ينقص المجلس إلا ان يهوّس باللغة الإنجليزية "الطوب احسن لو شسواري".
هنيئا لداعش بهذا القرار التاريخي. ويا خيبة البشر الذين صارت مصائرهم بيد قادة أعماهم الغباء حتى نزلوا الى درك لا يميز بين الناقة والبعير. وأي درك أتعس من تصور ان القضاء على الإرهاب شغلة فلوس. المصيبة ليست بالدنانير بل بالجذور الفكرية التي إذا لم تقطع ستظل كل رقبة إنسانية عرضة للقطع "شرعا".
ما كنت احسب ان أجد انساناً عاقلاً واحداً لا يعرف بأن الإرهابيين، حتى لو قلبتهم على سبعين مقلباً، همج. هؤلاء الهمج ما كان لهم ان يستفحلوا لولا ان العالم وفّر لهم أدوات هم آخر من يفكر او يتمكن من اختراعهما او صنعها. في مقدمتها اثنان: الأقمار الصناعية وشبكة الانترنت. وهما مربط فرس الخلاص:
كل جهة او دولة تصدر عنها، على أية قناة من قنوات وسائل الاتصال الجماهيري او الاجتماعي، حتى ولو كلمة واحدة تشرّع القتل او تبرره تحت اي غطاء حزبي او سياسي او ديني او مذهبي يجب أن تُحرم من الفضاء ومن الانترنت فورا. ولو كان بيدي لأمنعن عنها الكهرباء والماء وحتى الهواء ان أمكن.
لا مجاملة لمن يفكر، ولو همساً، بهدر قطرة دم إنسان واحد بحجة سماوية او أرضية. لا حق لمشرّع القتل بالحياة ولا بالاحترام، حتى لو تطلب الأمر اصدار قرار تحت البند السابع يبيح لقوة عالمية مخولة من مجلس الأمن، إسقاط أي قمر صناعي لا يلتزم بمنع أية محطة فضائية من نشر الكراهية بين الناس.
وحتى آتيكم من الآخر: مثلما نطالب بعدم زجّ الدين بالدولة احتراماً له، لابد من منع إقحامه بالإعلام الانترنتي والمنطوق والمرئي والمسموع، لحمايته من عبث الهمج. هكذا يجب أن يبدأ اول الغيث لفتح الطريق أمام مطر الأمل بالحياة والحرية والحب لينهمر من جديد على العالم.