العراق يقترب من تابوته؟!


يمر الشرق الأوسط في هذه الأيام بفترة حرجة لم تمر بها قبل قرن، فالتغيرات والاحداث السياسية تشير الى وجود تكملة او تجديد لخطة او خارطة سايكس-بيكو التي وضعها الإنكليز والفرنسيين وروسيا القصيرية(1). هذه الخارطة سوف تكتمل ملامحها خلال بضع سنوات قليلة ولكن على ايدي لاعبين جدد مثل تركيا وسعودية وقطر وإيران وإسرائيل وامريكا. رغم إني لا أحب اكون متشاؤم ولكن حسب حدسي، ان وجود العراق كدولة قوية وكبيرة ذات النفوذ الاول في المنطقة، أصبح في مرحلة الغروب بعد قرن من وجوده كدولة مهمة وغنية وقابلة للتطور والتقدم وممارسة الحياة الطبيعية بين مكوناتها المتعددة(2)، لابل نشعر ان العراق اقترب من تابوته أكثر من أي لحظة أخرى في التاريخ.
كما توقعنا في مقالنا السابق الذي كتبناه قبل سنتين ونيف تحت عنوان
"اخيرا انقلب السحر على الساحر !!!" وعلى الرابط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=384735

ان العالم سينقسم من جديد (3) الى طرفين متناقضين وسيكون كل طرف منه متكون من تحالفات من قبل أطراف لا تربطه أي قاسم مشترك سوى غريزة البقاء!
الطرف الأول هو " والإرهاب والدولار" متكون من تركيا، السعودية، القطر وبقية دول الخليجية، أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الغربية في الخفاء.

والطرف الاخر هو (محور العقائد القديمة والامن الذاتي) المتكون من روسيا وإيران والصين وسوريا والكنائس المسيحية مثل الفاتيكان الكنيسة الأرثذوكسية وربما الان التحق بهما أردن ومصر.
ان دخول روسيا بقوة في الصراع الموجود في سوريا بكل قوتها وامكانياتها أعطت إشارة على ان روسيا حسمت امرها، ووضعت بيضاتها كلها في سلة واحدة، مراهنة بل مُصرَعلى بقاء الحكومة السورية تحت قيادة بشار الأسد. ولم يحصل هذا التدخل وهذا الدعم لبشار الأسد الا بعد ان تأكدت روسيا القيصرية من نوايا حلف (الدولار والإرهاب) بانه لن يتوقف من تمدده حتى وان تم تقسيم العراق وسوريا والشرق الأوسط بحسب الخارطة الجديدة بكلمة أخرى حتى لو انجز حلف الارهاب والدولار ما اراده. فالهدف من تدخلها هو منع اقتراب النار من حدودها!!

ان أمريكا(4) صاحبت القرار الأكبر سياسيا واقتصاديا وعسكريا في العالم، يبدوا قررت المضيء قدوما أكثر فأكثر في رفع شعارها البراغماتي (الفوضى الخلاقة) من بعد ضرب ابراجها قبل 14 سنة، بل نقل الحرب الى بلدان التي يولد الإرهاب عندها.
فهي على الرغم لها الماكنة العسكرية الأكبر، لكن تخاف النزول في منازلة مع أي طرف، لان الطرف الاخر المتحدي الان مستعد للموت في كل الأحوال، وان الجندي الأمريكي باهض الثمن في كل المقاييس لدى الشعب الأمريكي، فهو يتحكم بقرار النجاح وبقاء الحزب الحاكم او فشله وطرده من البيت الابيض لا بل تقديم المسبب للمحاكم العسكرية.

أمريكا تصرح دائما بان الديمقراطية والحرية والامن هم من اهم الاولويات في سياستها العامة، لكن في الحقيقة تريد ان يتوقف تقدم الأمم والشعوب كي تبقى محتاجة الى دعمها السياسي والاقتصادي وتبقى سوق لصادراتها وبعيدة من مزاحمة أسواقها مثل اليابان او الصين. خطة أمريكا تقسيم الشعوب والأمم الى طوائف وقبائل ومذاهب واديان وقوميات متصارعة فيما بينها على الارض والماء والهواء (التلوث). لان نجاح الاتحاد الأوربي خلق جلب اليورو الأوربي الذي كان يعادل 150% من 100% من قيمة الدولار، لو استقر الشرق الأوسط او البلدان العربية سوف تخلق سوق تجاري فيما بينها وسوف تكف هذه البلدان من الاسترداد من المعدات والبضائع والمكائن الامريكية. كل هذا سوف يؤثر على النمو الاقتصادي الأمريكي فلا مجال امام أمريكا الا للدفاع عن مصالحها عن طريق شعارها (الفوضى الخلاقة).


اما تركيا تحت قيادة اردوغان وحزب (العدالة والتنمية) الذي يبدو ولد من بطانة حزب الاخوان في مصر، ينطبق عليها القول العراقي:" عادت حليمة الى عادتها القديمة"، بدا اردغان يسير على نفس الخطة جده عبد الحميد الثاني (السلطان الأحمر) (5) والذي يحلم بإعادة هيبة امبراطورية الرجل المريض (6) عن طريق التلاعب بالمشاعر الدينية لدى المسلمين وعن طريق تطميع البلدان المتحدثة بالتركية في اسيا الوسطى بتحالفها معها لحماية المد الفكر العلماني اليها وخلق فرص عمل عن طريق بناء سوق اقتصادي بين ولايات العثمانية القديمة في هذه المنطقة. تركيا لا تعتمد على نجاح هذه الخطة بل تريد كسب العالم الإسلامي السني باعتبارها حفيدة السلطان الذي كان يحمل لقب الخليفة وفي نفس الوقت يتم دعمها بالمال والدعم العسكري والسياسي من دول الخليج لا سيما السعودية وقطر.
اما حكام ال سعود وحكام القطر يظهر من تصرفاتهما انهما سكارى من الثروة والمال الذين يورد لهما النفط، فلا امل لهما، ولا شعار لهما، وهدف لهما سوى دعم الفكر الإرهابي السلفي المتطرف لدى بعض المسلمين بالأخص من البلدان الفقيرة مثل الصومال وأفغانستان وباكستان والسودان ومصر والمغرب العربي وحتى من الطبقات الفقيرة المنغمسة في التطرف الفكر الديني من الخليج العربي والعراق وسوريا.

فقط نود نسأل حكام السعودية والقطر لو صرفت المبالغ التي يصرفونها على دعم الارهاب والفكر السلفي المتعصب على التعليم وبناء الحضارة، الم تكن تجعل من هذه المنطقة أكثر امانا واستقرارا وهدوءً، وكانت الناس تعيش بسلم وامان والسعادة، ام لان الغريزة القبلية التي كانت متجذرة في المجتمع الجاهلية لدى الاعراب لا زالت تسير في دمائهم.

لكن الغريب والصدمة الكبرى عندي كانت عندي حول موقف المانيا تحت قيادة ميركل التي وصلت انسانيتها الى درجة النرجسية(7)، ففتحت ابوا ب اوروبا امام المهاجرين السوريين والعراقيين عطفا عليهم بدون ان تأخذ في حسبانها ان مئات بل الالاف من الارهابيين تسللوا مع هؤلاء المساكين الى اوروبا، وقد نفذوا اول هجمة لهم في قلب باريس والثانية كادت تؤدي بحياة المئات بل حتى تؤدي بحياة ميركل نفسها.

اللاعب الاخر الاهم في معادلة السياسية في الشرق الاوسط (من محور العقائد القديمة والامن الذاتي) هو إيران الفرس الصفويين(8). كما قلنا في المقال السابق ان إيران اجادت اللعبة السياسية في الشرق الاوسط بكل دقة، فقط اخطأت في حربها مع العراق حينما اصرت على اطالتها، لا نستطيع ان لا نقول حالفها الحظ بان يكون تفكير صدام حسين الضيق السبب المباشر لنجاح سياستها في المنطقة. فتهوره جعله يدخل كويت دون ان يحسب حساباته بدقة، دون ان يعرف قدرته وحجمه، توهم ان انتصاراته على إيران كانت نهاية الامتحان له، لم يكن يدرك لايوجد في السياسة اصدقاء دائمون، هناك مصالح واهداف هي التي تقود الامم والشعوب الى ان تتصرف كالكائنات الحية التي تقودها غريزتها الى الافتراس من اجل اللقاء !!!!

يبدو إيران أدركت وراء كل هدوء هناك عاصفة، فهي عملت ما استطاعت عمله بخفاء وهدوء بحيث جعلت من الساسيين العراقيين الشيعة بدون ارادة او قرار مستقل، فخلقت من خلال سياستها انقسام كبير في السياسة الدولية في قضية برنامجها النووي الغامض لحد الان!!!!.

في الختام نقول ان العالم يسير الى حيث لا يدري أحد ما سيحصل؟
لحد الان الاوربيين لا يعرفوا كيف يتعاملون مع الارهاب الاسلامي المتطرف ولا يعرفوا دوافعه النفسية، ولا دوافعه السياسية والدينية، وهم يراهنون على استيقاظ الضمير الانساني في هذه المجموعات عن طريق المنطق العلمي المادي الموجود على ارض الواقع الذي سيجبرهم على التخلي من وهمهم البعيد عن الواقع والفكر والحقيقة الموضوعية التي يدركها الانسان اليوم. متكلين على الإنجازات الحضارية وحاجة الانسان الى الانسان الاخر(9) 

ان الدول العربية والشرق الاوسطية بالاخص العراق وسوريا شئنا ام ابينا اصبحت قريبة جدا من نهاية وجودها السياسي بسبب الهجمة الشريرية القادمة من الشرق والغرب معا، هجمة اصحاب الاطماع في الدولار من الدول الغربية ومحبي الإرهاب باسم الله او المتعصبين باسمه او من أصحاب الشعور بالنقص والبحث عن الهوية!!!.

ان لم تتدخل الدول الكبرى قريبا وتحرر العراق من ايادي الشريرة Isis وكذلك يولد الشعور الوطني بالهوية العراقية بعيدا عن النفوذ الايراني والسعودي والتركي والغربي لن يكن هناك امن وسلام في العراق، لابل سينقسم العراق ومن بعده سوريا الى الابد وسيحمل العراقيين تابوت خارطة وطنهم بأيدهم الى المقبرة وهم لا يدركون ما الذي فعلوه!!.
...........
1-انسحبت روسيا القيصرية من معاهدة سايكس –بيكو بعد سيطرة الثورة البلشفية عام1917 على الكرملين.
2-أصل كلمة العراق هو كلمة اورك او اور احدى أقدم مدن في التاريخ التي سيطرت فيها النسخة الاولى من محلمة كلكامش بعد قصة الطوفان الكبير في المنطقة.
3-أعنى بعد انتهاء الحرب الباردة بين الكتلة الاشتراكية والكتلة الراسمالية.
4-حينما نقول امريكا لا نقصد الشعب وانما نقصد النخبة السياسية الحاكمة والشركات الكبيرة.
5-لقب عبد الحميد الثاني بالسلطان الأحمر بسبب مذابحه ضد الأرمن وبقية الاقوام المسيحية من الكلدان والاشوريين والسريان في مذابح 1894-1995 التي ذهب ضحيتها أكثر من 200 ألف حسب بعض المصادر.
6-امبراطورية الرجل المريض مصطلح أطلق على الإمبراطورية العثمانية منذ بداية القرن التاسع العشر بدا ان دأب التصدع والانقسام فيها بعد انتفاضة الإنكشاريين عام 1927م والتي أدت الى ابادتهم تماما.
7-النرجسية مرض نفسي يص بالناس الذي ينسلخون من واقعهم.
8-الفرس الصفويين، الفرس مصطلح القومية او هوية هذا الشعب والصفويين جاء من عباس الصفوي الذي ادخل التشيع الى إيران في بداية القرن السادس عشر.
9-ان الحضارة الإنسانية الحالية، قلبت الموازيين الفكرية عند الانسان، بعد ان عبرت عتبات واشواط متقدمة في كشف الغاز واسرار الطبيعة من خلال البحث العلمي في اتجاهات متعددة، والتي كلها تسير الى نتيجة واحدة، التي هي ان المعرفة الانسانية محددة بحسب إمكانياته وبيئته، وان مقولات ارسطو المثالية لم يعد لها مكان في فكر العلمي الالكتروني اليوم. لهذا لا يوجد شيء ثابت لا يقبل التغير في فكر الانسان حتى تعاليم الأديان، لان الأديان انتاج فكري للإنسان حسب بيئته وحضارته وحاجته!!