موازنة الأمر الواقع

 

الموازنة المالية العراقية لهذا العام تبدو من بعيد عالية بارقامها المليارية ، وقد تتجاوز موازنات دول كثيرة ، ولكن من الداخل يعرف المواطن أن عائدها على الدولة والفرد والمجتمع قليل ، ويقل سنة بعد اخرى..

 

 وفي  الاقتصاد والسياسة لا تعد هذه المليارات – رغم عددها الكبير،  وتصنيف توزيعها وتشريعها – موازنة بالمعنى الواقعي ، لغياب فلسفة الدولة ودورها عنها ، ويتمثل في الخطط والاسترتيجيات المتوسطة والبعيدة ، فهي لا تحمل أهدافا تنموية واقتصادية واجتماعية بعيدة  ، أي بمعنى أن هذه المليارات لا تشبع حاجة البلد من كل النواحي ، و هي دونها بكثير ، ناهيك عن انها لا تساهم في تطوير البلاد في المجالات المختلفة ، ان لم يكن في تراجع ، لعدم كفاية الموارد  لهذا الهدف ، وغياب التنمية البشرية بالمستوى المطلوب ، وهي الاساس للتنمية العامة بكل ابوابها بعد أن ترك الانسان عرضة للبطالة ، ورُبط  مستقبله بمورد واحد ، هو عرضة للتذبذب وعدم الثبات  ، بينما في الحقيقية هو من يصنع  الموازنة في خططها التنموية وهو غايتها في الوقت نفسه ..

 

ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون الموازنة بهذا التراجع المتواصل لغياب الدور الحقيقي  للانسان ، وتحول ذلك  المُنتج  الفاعل الى انسان يحتاج الى المساعدة والرعاية ، وليس أن يكون مكانه في ميادين العمل والانتاج ، كما أصبح راتبه  في حالة عمله عرضة للتناقص بسبب ظروف البلاد  المعروفة ، وطبيعة الموازنة  ..

 

 وكونها موازنة أحادية ، لغياب الموارد الاخرى الحقيقية ، واعتمادها على مصدر واحد آخذٌ بالنقصان ، تبقى  الاحتمالات واردة  بانها ربما تكون عاجرة عن تنفيذ ما هو مخطط ، رغم ضآلته ،  بل هي خارج الارادة  ، وبالتالي يمكن توقع حصول مشاكل اقتصادية كبيرة ، تكون عرضة  للتصاعد ايضا ، وبالتالي تتراكم سنة بعد اخرى ، لأن  تنفيذ مفردات الموازنة ترك  للمجهول ، والغائب الذي قد لا يأتي محملا  بما يتمنى  صاحب القرار ، وهو سعر برميل النفط ..

 

 وباختصار هي موازنة تمنيات ، وتوقعات تقوم على ( فرضية ) أن يصل انتاج النفط وسعره الى حدود ما رسم له فيها  ، وفي حالة عدم تحقق تلك الحدود سيكون العجزالمتوقع  أكبرمما قدر له ،  وربما يتصاعد ، والتجربة الماضية في العلاقة بين الحكومة المركزية والاقليم ، وتواصل تراجع الاسعار ، واحتمالات زيادة الانتاج في دول مختلفة ، قد تجعل تلك التوقعات في الموازنة غير واقعية..

 

والاجماع على تمرير الموازنة ( بإستثناء أصوات معارضة قليلة ) لا يعني غياب الخلافات في تفاصيلها ، أو أنها حققت ( الايثار الوطني ) على (المصلحة الذاتية ) عند هذا أو ذاك ، وتغليب المصلحة العليا المشتركة على الفرعيات ، وذلك لوجود العقدة الدائمة في كل موازنة ، وهي (الحصة المقررة ) لكل محافظة والاقليم ، فهي  تثار في كل موازنة ، ولكنها ظهرت في هذه الموازنة  بصورة أكثر ، وهذه الحالة تعزز من المحاصصة ، بدل أن نتخلص منها .. وهي أس البلاء ، وأصل الداء ..

 

  لهذه الاسباب فهي موازنة الأمر الواقع ، ودون الحاجة الفعلية بكثير ، وبعيدة جدا عن الطموح .. وستبقى هكذا ان لم تكن هناك موارد من الانتاج في ميادينه المختلفة ، وتنمية اقتصادية وبشرية الى جانب مورد النفط …

 

ورغم ذلك فهي في نظر المشاركين في اقرارها  تُعد إنجازا ، أو إعجازا ، لتمكنهم من تجاوز الخلافات ، وإصدارها  في موعدها وباسرع من المتصور  ..!!

 

فمتى يتحقق الاعجاز والانجاز في الانتاج ..؟..

 

ننتظر ..

 

{{{{{

 

كلام مفيد :

 

 اذا اردت ان تعرف جوهر إنسان ما إنظر الى تصرفه عندما يفقد كل شيء ، أو يحصل على كل شيء .. فاذا احتفظ بالامل عند الفقدان ، والتواضع عند الغنى والسلطان ، والتوازن في الحالين ، فأعرف أنه جدير بالثقة والاحترام ..