من المتنبي الى السيستاني ( بدل ما تكلهه كش أكسر رجلهه )

كمٌ هائلٌ من الكتابات التي تمر مسرعةٌ في أذهاننا من دون أن تترسخ وتظهر الى العيان لأسباب عديدة ولكنها لاتُنسى ويبقى فحواها والفكر الذي بين طيات أسطرها في الخزينة الفكريه للكاتب وربما يطلقها في وقت يتناسب مع الاحداث أو في حوار ثقافي أو فكري تخصصي بعد أن تكون قد نضجت ووجدت المحيط المناسب لأطلاقها , ولكن بعضها لايجد الفرصة الملائمة لذلك وبعد فترة من الزمن تراها قد أُطلقت وبصورة عفوية وشفافة من الوسط الشعبي وبدون أي تخوف من مردوداتها أو تبعياتها وهي كما هي يمكن أن تكون أبلغ وأصدق مما لو أٌسبغت بفكر ما أو أحيطت بمعاني معقدة وتراكيب لغوية لايفهمها المتلقي العامي وبذلك تخرج من بلاغتها الفطريه الى التكوينية التعبيرية المعقده .

اليوم أصبحت المرجعية الدينية عنواناً أساسياً في المجتمع العراقي بالذات ولها تأثير ملحوظ على مجريات الكثير من الجوانب الحياتية والمجتمعية والسياسية , وأصبحت الاغلبية الشعبية تؤمن بأن المرجعية مكلفة شرعياً بقيادة التشريع الديني والاصلاحي في كل مفردات الحياة وأن مايصدر عنها من خطاب وفتاوي هي مسلمات يجب ألاخذ بها وطاعتها بدون أي مراجعة وذهب البعض بأن أضاف القدسية على التشريعات التي تصدر منها , أما البعض الاخر وهي الطبقة الوسطى للمجتمع والتي غالبا ماتكون حيادية ومهادنة في مجمل الامور , ولايمكن تحديد مسار أو أتجاه واضح ومحدد لهذه الطبقة , وتكون مسايسة للرأي العام وأحياناً متقلبة في أرائها وبالتالي هي تنتظر مراقبة ماذا يحصل ثم تأخذ قراراً حسب المعطيات ووفقاً للجمع الشعبي ألاكثر حظاً أو سطوةً أو غلبة , وهي بذلك تكون متأرجحة وغير مسقرة ألا انها على الاغلب الاكثر عدداً , والطبقة الاخرى هي التي تنادي بفصل التشريع الديني عن الدولة كسلطه سياسيه وقانونيه وتشريعية مدنية , ولكنها وحسب استطلاعات خاصه بي لاترفض الدين كتشريع رباني ولكنها ترفض أن يتداخل التشريع الديني ليكون منطلقا لبناء الدوله ومؤسساتها المدنية الاخرى .

من الصعب الدخول في جوهر هذا الصراع الفكري والذي عانت منه المجتمعات على مر العصور وأختلفت الغلبة فيه , المجتمعات الاوربية حزمت أمرها بعد صراع مرير وقرروا حصر المرجعيات الدينية في دولة لها علم هي ( الفاتيكان ) وهكذا أنتهى هذا الصراع الفكري بعد حروب طاحنة بين الكنيسة وتيارات علمانية , لازالت بعض المجتمعات تعتبر التشريع ىالديني هو من مقومات الدوله ولايمكن التشريع السياسي الا من خلال الديني , أما نحن لازلنا ندور في حلقات تدخل فيها تيارات تختلف في أساسيات الفكر الذي تؤمن به ولذلك لايمكن الوصول الى مقبولية مقنعة في أدارة الدوله ومقوماتها ومؤسساتها , ويكون المواطن البسيط  تائهاً بدون أتجاه واضح أو يكون لديه أكثر من أتجاه وهذا أكيد لايؤسس الى توافق جمعي , وقد يؤدي الى صراعات وتبعيات أجتماعية وأقتصاديه وسياسية ضعيفة وغير متكاملة .

وبعد هذا التيه في قيادة المجتمع والنتيجة متوقعه بعد أن عجزت الحكومة في تحقيق أي أصلاح نادى به الشعب وأيدته المرجعية خطاباً وروحاً ولكن بدون أليات واضحة ومحددة وبدون موقف حازم يهيئ لأنقلاب جوهري في العمليه السياسية المرعبة التي نرضخ تحتها وبأستياء عام وشامل من أغلب مسميات الشعب , برز بعض المواطنين ممن وصل اليأس صميم قلوبهم وأطلقوا صيحات لم نتعود عليها في المظاهرات أو المقابلات التي تديرها القنوات الفضائية , في لقاء مع المتظاهرين في البصره , حاول شاب أن يوصل رسالة واضحة الى المرجعية من خلال سؤال , أين هم المعممون من السادة والشيوخ ويقصد ممن درسوا بالحوزة في النجف الاشرف , لماذا لا ينزلوا الى ساحات التظاهر ويساندون عملية الاصلاح , وكأنه يقول ألسنا على حق , فأن كنا كذلك فأين هم الرساليون ألذين يحملون الرسالة النبوية وأئمة البيت عليهم السلام , أما أذا كنا ليس على حق فعلى الاصلاح السلام , وفي كربلاء المقدسة أطلق شاب من خلال البغدادية وقال بالنص , أنا أختلف مع أنور الحمداني لأنه يقول أن المرجعية غير مسؤولة عما يجري , أما أنا أقول أن المرجعية مسؤولة.

أما الرسالة ألاكثر تحديدا فكانت من شارع المتنبي في بغداد من خلال لقاءات البغدادية والناس , وبكل أدب وأحترام أرسل أحد المواطنين رسالة الى السيد السيستاني وقال ربي يحفظك ويطول عمرك عندنا مثل عراقي يقول ( بدل ما تكلهه كش أكسر رجلهه ) ولم يزيد حرفاً على ذلك ظناً منه أن ذلك المثل هو أبلغ حتى من كل مايمكن أن نكتب فهو مثل بسيط مفهوم يطالب المرجعية بموقف حازم من كل ماجرى من 2003 والى الان والتصدي للعمليه السياسية وأطلاق أنقلاب صريح وكسر روتين الخطاب المطالب الى أخذ زمام الامور كون الحقوق تؤخذ ولا تعطى , فما بالك أن الامر متعلق بحياة شعب قد أنهالت مصائب لاحصر لها وهو يناشد ويناشد ولا من ناصراً ولامعين .

وحيث أن الامور وصلت الى مستويات خطيرة وبالتالي هذه تبعة شرعية ثقيلة ولايجوز المرور بها مر الكرام , فأن كان الصبر هو الذي يمنع , فأنتم من قال أن للصبر حدود , لايمكن التعامل مع تعاقبات خطابية فقط لابد من توجهات تكون فاعلة وواقعية ومنظوره , ولابد للجمهور أن يقتنع بما تنتجه هذه الخطابات وأن يرى نتائجها ويتحسسها وخاصة أنه يملك ألاحقيه الدينية والشرعية والانسانية , وبقاء الواقع كما هو بل ربما أسوأ وأسوأ قد يأخذ المجتمع الى مجهولات فكرية غير حصينة وربما تصبح خارج السيطرة لأي جهه تشريعية  أو دينية مهما كانت توجهاتها وأفكارها , ولابد من دراسة الواقع بمعطيات موضوعية وجعل التشريع مكملاً ومؤازراً للمطالب الحقوقية , مع أخذ بنظر الاعتبار نظرة مستقبلية لما يمكن للتاريخ أن يأرشفه لهذه المرحلة وكيف سيتناول من هم أعلى وأولى بالمسؤولية وهي بالتأكيد كبيرة . 

     هَـذا عِتـابُـكَ إلاّ أنّـهُ مِـقَـةٌ        قـد ضُمّـنَ الـدُّرَّ إلاّ أنّـهُ كَلِـمُ             الشاعر أبو الطيب المتنبي