ان الجميع يتوسم خيرا للقيام بعدة انجازات لعلها تعيد كبرياء وهيبة مهنة المحاماة التي فقدت بريقها بالسنين الماضية ولأجل تعزيز دور القضاء الواقف في صيانة العدالة وإبرازها، ومن خلال العمل الميداني المهني؛ تظاهرت لدي عدة اضاءات وملاحظات مهنية وقانونية تخص عمل النقابة وعمل المحامين، ولابد من تغطية نصوص مشروع قانون المحاماة الجديد لتلك الاضاءات والملاحظات، وكنت قد طرحتها في نهاية عام 2010 للنقابة وللسيد النقيب الحالي، وبعدها كلفني السيد النقيب بدراسة مشروع قانون المحاماة الحالي، وعكفت على دراسته ومقارنته بأكثر من(16) قانون للمحاماة لعدة دول، وحاولت سد كافة الثغرات من تلك التي سأشير لبعضها في مقالات قادمة انشاء الله، والتي من شانها تقوية المركز القانوني للمحامي في كافة جوانبه، ونظمت مع مشروع القانون في حينها، قانون لمعهد المحاماة الوطني وسلمته للسيد النقيب واثنى عليه ووجه لي كتاب شكر، وكتبت مقالة حول ذلك بعنوان(مقترحات وملامح عريضة لمهنة المحاماة)في المواقع الالكترونية نشرت بتاريخ 18/11/2013، لكن بعد ان اطلعت مؤخرا على مشروع قانون المحاماة المطروح في مجلس النواب وجدت فيه اختلاف عما توصلنا اليه، بالرغم من ان القانون الذي تم التعديل عليه هو نفس مشروع القانون لعام 1996 المصحح من مجلس شورى الدولة في حينها، والاضافات التي اتممتها عليه هي لتقوية حصانة المحامي وامور أخرى وجدناه فيها اختلالات وضعف كبير، عملنا على تقويتها من تجارب لقوانين أخرى مع صياغتها بما يتلاءم ونصوصنا والمعطيات المبسوطة، وانسجاما مع ما طرحه الأستاذ(ضياء السعدي) مؤخرا في تصويبه لبعض النصوص التي وردت في مشروع قانون المحاماة الجديد، سأطرح أمور اسميتها جزء من الحروب الشاذة التي تجابه مهنة المحاماة؛ اعماما للفائدة، ولمن يريد الرجوع لمشروع قانون المحاماة الذي أجريت التعديل عليه مع مشروع قانون معهد المحاماة الوطني؛ فاني قد نشرته في نهاية كتابي(المحامي والمحاماة في العراق) اتماما لفهم القانون اكثر، وسأتناول هذه المظاهر والمطبات والملاحظات على شكل اجزاء، وكما يلي: أولا/ مهنة المحاماة ليست ملجأ ضد البطالة: لا تجوز ممارسة مهنة المحاماة، وتحمل أعبائها، والتمتع بامتيازاتها، والقيام بمهامها، إلا لمحام يمارس مهنة المحاماة، طبقا لمقتضيات هذا القانون، مع مراعاة الحقوق المكتسبة، والجميل في مهنة المحاماة أنها مهنة متنوعة، في كل يوم تعيش مع قضية مختلفة، وفيها اجتهادات وحركة دائمة، ويجب على المحامي أن يتبع كل جديد ويكون دائم الاطلاع، لأن القانون مادة حية فيها الكثير من التغيير. ان الدور الأساسي يكون في تحديد معايير الولوج لهذه المهنة، ومن اختصاص قيادات المهنة، تحديد العدد الكافي الخاص للالتحاق بها، إذ لا يعقل أن نقبل أكثر من عشرة الاف محام ومحامية في عام 2015فقط، في الوقت الذي وصل عدد المحامين في العراق حوالي مائة ألف محام ومحامية، وبذلك تم إغراق المهنة بإعداد لا تسعهم غرف المحامين وساحات المحاكم ويشكلون ضغطا لا قدر للنقابة تحمله مهنيا لضعف الإمكانيات الحالية غير متناسين ما ينتج من اثار سلبية مستقبلية على بقية المحامين بخاصة القدامى منهم، وقد حان الوقت لوضع معايير وشروط صارمة لكل من يود ولوج مهنة المحاماة وحمل هوية محام. على النقابة والدولة أن تفتح الورش والأبواب لهؤلاء المحامين، وهو ما لم تقدمه لا النقابة ولا الدولة لهؤلاء وسقطت في متاهة إغراق المهنة ببطالة أخرى، والمحاماةُ سجلٌ عدلي، فهي ليست مكاناً للراحة، أو مستودعاً للمنفيين، ومهنتُنا ليستْ مادةً للتسويقِ أو للدعايةِ والاعلانْ، وليست محلاً يَجْذُبُكَ اليه بإعلاناته وتنزيلاتِه، وبطبيعة الحال حان الوقت، لتحصين مهنة المحاماة حتى لا تكون ملجئ لمن لا مهنة له، وهذا التحصين يجب أن يبدأ بإنشاء معهد المحاماة الوطني، وتكون لنقابة المحامين دورا أساسيا في التعاون مع الدولة في تحديد العدد الذي يقبل في كليات القانون أولا ومن ثم تحديد من يتعين له ولوج مهنة المحاماة، والدولة تريد إغراق المهنة بعدد من الشباب وعدد من الوافدين، الذين سيؤزمون الوضع أولا، وثانيا، سيدخلون غمار المهنة وهم يجهلون مصيرهم، يجهلون إكراهات المهنة وارهاصاتها، مع العلم ان الحكومة المغربية اتخذت قرارا مؤخرا بان الانتماء لمهنة المحاماة يكون فقط لحاملي شهادة الماجستير وحسننا فعلت. ان أعداد المحامين في عام 2006 لا تتجاوز الـ(30 الف محام)، بينما الآن اكثر من مائة الف، وباتت تتطلب مجهوداً أكبر من قبل النقابة لتنظيم عملهم في قصور العدالة التي باتت ضيقة عليهم وعلى الموكلين والمراجعين. ان الزيادة الشديدة في نسبة المقيدين في نقابة المحامين بعد أن رفعت الدولة يدها عن تعيين الخريجين، وأصبح الملاذ الوحيد لخريجي القانون هو نقابة المحامين بشروط الانضمام الميسرة التي قلما نجد لها مثيل في دولة أخرى، والنقابة بوضعها الحالي قد تكون عاجزة عن القيام بدورها المهني المنوط بها أصلا في الدفاع عن مصالح أعضائها، بسبب إنها أصبحت ليس نقابة للمحامين بل أصبحت وكأنها هيئة للضمان الاجتماعي لخريجي كليات القانون بسبب سياسة الباب المفتوح في القيد بجدول المحامين، ولم تكن النقابة سيدة جدولها، خصوصاً في ظل أعداد المحامين المتمرنين في ازدياد مطرد، واكثرهم من متخرجين من كليات أهلية غير رصينة ويتم قبول انتمائهم بدون تأهيل مهني اولي مهم حصوله. نعلم جيدا، أن لا أحد يقوم بدور المحام، لأنه ليس دراسة للقانون فقط؛ بل هو ممارسة يومية ميدانية واجتهادات مستمرة، فدوره يتمثل في تنوير عمل القاضي، فبدون جهاز الدفاع لما استطاع القاضي البت في أي قضية، ونعتقد آن الأوان لتغيير قانون المحاماة النافذ، لتكون النقابة بالفعل سيدة جدولها، وعليها بداية وقبل سن القانون الجديد، إصدار تعليمات تنظم عملية الانتساب من خلال وضع عدة مصافي مهنية وقانونية يجب على طالب الانتماء المرور من خلالها، على الأقل في الوقت الحاضر، خصوصاً إننا في وقت تغيرت فيه الكثير من الثوابت، وعدلت عشرات القوانين، وبالتالي أن الأوان لممثلي نقابتنا أن يدقوا أبواب الحكومة ومجلس النواب بقوة حاملين مشروع جديد لقانون المحاماة الذي نسمع عنه منذ أكثر من خمس سنوات ولم يرى النور لحد الآن، خصوصا بعد ان سمعنا ان القانون قد عُرقل تشريعه في مجلس النواب وهناك احتمالية اعادته الى الحكومة. أجد أن المشاكل التي يجب مواجهتها في مشروع القانون الجديد: وضع معايير موضوعية مانعة، للتحكم في القيد في نقابة المحامين: اولا-يجب انشاء معهد المحاماة الوطني وان لا يمنح المحامي هوية محام الا بعد اجتياز دراسة تخصصية تدريبية في هذا المعهد لا تقل عن سنتين، وقبل سن القانون يجب العمل حاليا على: الف- يتم عمل امتحان لراغبي القيد في النقابة ويعتبر من يحصل على 75% ناجحا ولا يتم القيد إلا بالنجاح في هذا الامتحان وفي حالة الرسوب لا يسمح بإعادة الامتحان إلا بعد مرور ستة أشهر أخرى وبرسوم جديدة وبذلك نضمن دخول العناصر المؤهلة في النقابة. باء- بعدها يدخل طالب الانتماء للنقابة دورة توسيع الصلاحية، وتكون فعالة وجدية ومكثفة، من حيث عدد الدروس وأيام الدوام، وضرورة أن تكون مدتها ستة أشهر، والتشديد على الامتحانات، واتخاذ إجراءات صارمة في حضور المحاضرات. إذا قررت النقابة عدم استقبال الوافدين الا بعد تطبيق ما ورد في ألف وباء، لن يتمكن طالبوا الانتماء الجدد من ولوج المهنة الا بعد نجاحهم، وبذا، ستكون هناك عرقلة ترسيم المحامي غير الكفء في جدول المحامين وتصب في صالح المهنة. ثانيا/ يمنع قيد القضاة والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة المحالين إلى التقاعد، ويكون القيد مقتصراً على الخريج الذي يختار المحاماة ابتداء وليس لمن لفظ المحاماة ابتداء واضطر لها انتهاءاً، لا سيما ان القضاة والمستشارين والضباط وغيرهم، الذين خرجوا من الخدمة، ولديهم معاشات تكفيهم للعيش وألقاب فخمة رنانة يزينون بها لافتات مكاتبهم وينافسون بها المحامي الذي اختار المهنة ابتداء. ثالثا/ وضع شرط بأنه بعد مرور ثلاث سنوات من القيد بالجدول الابتدائي على المحامي، تقديم كشف للنقابة بالدعاوى التي ترافع فيها وبذلك نضمن تنقية الجدول مما لا يعمل فعليا بالمحاماة. رابعا/ إلزام المحامين بحضور دورات تدريبية تعقدها النقابة على الأقل مرتين سنوياً في مختلف المجالات الحقوقية والإنسانية واللغات الأجنبية وخصوصاً المصطلحات القانونية ودورات في الحاسوب والانترنيت. خامسا/ لا يجوز فتح مكتب للمحامي بدون الحصول على تصريح من النقابة بفتح المكتب، وتشكيل لجنة تكون مهمتها منح التصاريح ومعاينة المكاتب من حيث التزامها بقواعد وسلوك المهنة، بخاصة هناك مكاتب محاماة أنشئت لأغراض جعلت من المهنة خاضعة لتأويلات وتفسيرات خاطئة، وهناك حاجة ملحة على إغلاق المكاتب المخالفة لشروط المهنة وبدون تصريح. سادسا/ متابعة ومساعدة المحامي ماديا؛ الذي لا يستطيع فتح مكتب لأجل تعزيز مهنة المحاماة. سابعا/ هناك العديد من المحامين والمحاميات من دون عمل وهناك من يتعامل مع كتاب العرائض الذين يعملون خارج بناية المحكمة وهم الذين يسيطرون على حركة الزبائن الى المحامين، وقسم من المحاميات يقتصر نشاطها على تعقيب المعاملات وعقود الزواج، فهناك ضرورة بتأمين فرص العمل، من خلال البحث عن مطارح العمل المهني، والعمل على تضمين نصوص مشروع القانون الجديد بما يلزم المتقاضين أو أصحاب المصالح في تلك المطارح بالتعاقد مع المحامين، والاهم من ذلك كله العمل على تعديل أو إلغاء النصوص التي تحجب العمل عن المحامين، وتعتبر عملية تنظيم المساعدات القانونية للمواطنين من أهم الوسائل التي تساعد على إيجاد فرص عمل للمحامين الشباب. مهنة المحاماة اعتبرت دائما بمثابة "قضاء واقف" وإن كان حالها الان، بعيدا كل البعد عن هذا التوصيف القانوني الرفيع، في ظل واقع ممارسة المهنة في العراق التي تصنف المحامي ضمن الشرائح المتوسطة والمتهمة دائما، ومن هنا ساد انطباع لدى كثيرين، أن المحامين نتيجة لأعدادهم الكبيرة، يلجؤون أحيانا إلى إيجاد تفريعات بالدعوى لا وجود لها لضعف الخبرة، ويسعون لتعقيد الأمور بحثا عن تعويضات مجزية. اننا ندعو نقابة المحامين وفروعها في المحافظات ان تراقب بكثب وحيادية عمل المحامين، وتجري لهم تقييما دوريا وسنويا بدلا من تجديد الاشتراك والهوية، وان تحفظ قدسية هذه المهنة الشريفة، وان تراقب الطارئين على هذه المهنة من حملة شهادة القانون الاهلية والمسائية وأصحاب الشهادات العليا المضروبة، وكفانا (ارتزاقا) للمهنة، وكفانا تلاعبا بمواد القانون بما يحقق المصالح الشخصية وابتزاز الأخرين، ولنقف طويلا امام قول رسولنا الكريم (إنما أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فيم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) ان اشرت بعض الامور لواقعنا المهني المؤلم، وقد أكون مصيبا في بعض منها، وقد أكون مخطئا في مجملها، وقد يتفق القليل من حضراتكم معي، كما قد يختلف العموم عني، ولكني أعتقد، يجب ان يكون النقيب والمجلس اقوياء لديهم الشجاعة الكافية في المواجهة بالاشتراك مع قاعدة المحامين، لأننا نحتاج إلى تكثف الجميع من أجل مقاومة الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة حاليا.
|