العراقي والمستقبل



وسط غياب الثقة المطلق وانقطاع التواصل بين الناس والحكومة ،يجهل اغلب العراقيون ماذا يخبئ المستقبل لهم ولبلادهم ،فأذا كانوا في أحسن الظروف الأمنية والأقتصادية ،والذي وصل فيه سعر برميل النفط الى 147 دولار ، لم يحصلوا على العيش الرغيد والرفاه والأمان المنشود ،وتعرضت ثروات بلادهم الى أكبر سرقة منظمة في تاريخ العراق ، سواء بالسرقة المباشرة او بسوء الأدارة ، فكيف بهم الحال ، ودولتهم وساستها يعلنون على الملأ انهم يعيشون إفلاسا ً لاسابق له ، اضطر تلك الدولة المتهرئة الفوضوية الى النيل من رواتب موظفي الدولة ،تلك الرواتب التي تبنى وفق القانون المدني لبنة ً لبنة ْ ،وخلال أعوام طويلة من الجهد الشاق والدوام المستمر ، بعكس رواتب اولئك المتسيدين الذين يشرعون رواتب خيالية لهم بضربة حظ ،لاتخضع لضوابط ولالقانون .
ففي صخب التصريحات التي تنطلق من هنا وهناك ، والمواقف الدونكيشوتية ،التي تصور الساسة وعلى أعلى المستويات ،حريصون على استقلال وسيادة البلاد ،وعدم السماح لأي قوات أجنبية بدخول أرض العراق ،نجد ان الواقع يشير الى غير ذلك ،ففي وقت يعطل فيه جهد الحشد الشعبي والذي اثبت قدرات عسكرية مهيبة ، تدخل العراق قوات أجنبية متعددة وبأعذار كارتونية لاتقنع المواطن العراقي الذي علمته الظروف القاسية التي مرت به ،آلاعيب السياسة وحبائلها .
لقد دخلت العراق قوات هو ليس بحاجة لها ،حيث يمتلك آلاف المقاتلين المدربين الذين رضعوا الشجاعة في الطفولة ، وفطموا على رائحة البارود ،فأن لم يكونوا يقاتلوا عدوا ً خارجي فأنهم يتقاتلون بينهم ،وهم يستخدمون صوت البنادق وتهليل الرصاص كأفضل موسيقى يعزفونها لأفراحهم واعراسهم وكذلك تلائم أحزان مآتمهم ،فما حاجة العراق اليوم للقوات الأمريكية والبريطانية والأيطالية والتركية ، وماحاجته للحلف السعودي المقترح ، والأولى بالسعودية وقادتها كف شرها ،فتاوى وارهابيين وأموال ، عن العراق إن كانت تريد الخير للعراق .
ان أشد مايؤلم العراقي اليوم ،هو عدم ثقته بحكومته التي يراها منبطحة أمام الأمريكان وحلفائهم ،رغم ان السنوات الطويلة الماضية أثبتت بصورة لاتدع أي مجال للشك ،عدم رغبة الأدارات الأمريكية المتعاقبة بتعافي العراق وعودته الى الحياة الطبيعية ،بل انها تريده مكانا ً ميسرا ً لقواعدها العسكرية ولأطماعها في ارضه وثرواته، ولأنها وجدت صعوبة في تحقيق ذلك فقد بدأت تعمل بجد وحنكة لتقسيمه الى دويلات ،رغم ان العراق فعل كل مابوسعه لكسب ثقة الأمريكان .
سال الدم العراقي منذ العام 1991 ولحد الأن بما فيه الكفاية، ودمرت بناه التحتية بالكامل وسرقت كنوزه ،وععشعش وفرخ الأرهاب فيه، منذ العام 2003 ولحد اليوم ،والمتتبع للتصريحات والتصرفات الأمريكية منذ دخول داعش العراق واحتلال مدنه ولحد اليوم ،يرى ويسمع العجب ،فالمفروض ان العراق الذي حل جيشه وأهمل بقرار امريكي عام 2003 ،يكون الان تحت الحماية والمسؤلية الأمريكية على الأقل ، غير ان داعش وصويحباتها قضمت العديد من مدنه الرئيسية كالرمادي والموصل وصلاح الدين وديالى واصبحت على مشارف بغداد فيما كانت تصريحات القادة الأمريكان باردة ولاتتناسب مع الحدث اطلاقا ً وسارعوا الى الضغط على الحكومة العراقية مستغلين الموقف للحصول على حصانة لجنوده وعلى قواعد لهم في عين الأسد والحبانية ،وحتى مع الكوارث الفضيعة التي حصلت للعراقيين من المسيح والأيزيدين ، ومجزرة سبايكر ،كانت امريكا وحلفائها الغربيون كمن يتسلى بمدينة للألعاب ، يرسلون مساعدات غذائية بالمظلات لشعب مبتلى ومهجر ويعيش اوضاعا ًصعبة ،دون مناصرته بأي تدخل حربي .

يراقبون نتائج داعش :

بدى الحلف الغربي كمن يشعر بالغبطة ويترقب نتائج هذا المولود الجبار الذي بدى كمارد يصنع الخراب والقتل والدمار بسهولة فائقة دون ان يتقيد بضوابط او محذورات ، فهو ليس دولة او كيان وليس مسؤول من احد ولكنه يتلقى عناية فائقة حيث الدعم المباشر والغير مباشر ،فبأعتراف الغربيين فأن المئات من مقاتليه يتلقون تدريبات داخل البلدان الغربية ومن ثم تسهل لهم طرق الوصول الى المناطق الموبوءة المراد احداث الفوضى فيها ،وبعد ان يتمكنواويمسكوا بالأرض فأنهم يستطيعون بيع النفط وبحرية ودون اي عوائق، حيث تتنقل المئات من ناقلات النفط العملاقة تحت مرمى طائراتهم ،كما تصل اليهم المؤن والأعتدة والأسلحة لأجل الأستمرار بالتخريب واحداث الفوضى العارمة ،وحتى بعد تصريحات الأمريكان ان طياراتهم سوف تحلق في طلعات جوية فوق المدن العراقية المحتلة فانها اخذت تحوم دون التدخل وتوجيه ضربات مؤثرة .
ان شعب العراق شعب مسالم غير ان المعروف عنه كرهه للأحتلال وطرق السيطرة مهما اختلفت ، وكان يمكن لأمريكا ان تملكه الى الأبد بعد ان تملك قلوب اهله ،لو انها اتبعت تنظيراتها بتخليصه من النظام الديكتاتوري ،بالبناء والأعمار فان العراقي لن يفضل غيرها بما تمتلكه من تقدم وامكانات تكنلوجية عالية ،فالبطل الحقيقي الذي لم تحتفي به كتب التاريخ ولم تبرزه الى جانب اولئك الذين اراقوا الدماء من اجل مصالح الدنيا ،هو من يربح السلام ويجنب الشعوب ويلات الحروب ،أن الأرض تزهر وتعم البركة وبدلا ً من ان نرى الخراب والدمار نجد ان الأمان يعم ربوعها ويزداد الخير ويكثر النسل ويعلو البناء وتتهيأ الخدمة والراحة لبني البشر وينتشر الحب والوئام ويينع ريع الفكر وتتوفر سبل العمل والرزق .
ولكن أمريكا إتجهت الى القتل والحروب والدسائس والفتن ،والتي لاتخلف سوى الدم والخراب ، ولكنها قد تخبئ شئ مغايير ليس في صالح العراق وشعبه ووحدته الداخلية دل على ذلك سيرة السنوات الماضية التي جعلت من العراق بلدا ً مريضا ً فلا هي ملكت العلاج ولا هي تركته لحاله ليعيش كما تعيش بلدان الأرض .