بين شيوخ قبل , وشيوخ هسه , قصص ذات أنياب

لا يخفى على احد الدور الذي يلعبه شيوخ العشائر في صياغة وتنظيم العقد الاجتماعي في العراق قديما وحديثا , وأن دورهم استراتيجي في تنظيم حركة المجتمع والأفراد فالمواطن في العراق ينتمي إلى عشيرة يحتاجها في ترتيب حياته وفي دفع الظلم عنه خصوصا في وضع كالذي نعيشه الآن من غياب لسلطة القانون وانعدام توصيف الدولة من حركة المجتمع , لذلك أورد القصص التالية لكي ابني في ذهن القارئ مقارنة بين الماضي والحاضر , بين رجال الزمن الماضي ورجال الزمن الحاضر للوصول إلى مستقبل أفضل , فرغم إني انبذ الطائفية والعشائرية في بناء المجتمعات إلا أنها أصبحت ضرورة في تفسير حركة المجتمع وبناءه . القصة الأولى تقول : أن الشيوخ ( شيوخ العشائر ) كانوا أبان الحكم الملكي يرتادون مقهى في بغداد , فحدث أن امرأة عجوز كانت تمر من أمام المقهى يوميا وتقف في بابه تقلب في وجوه الجالسين فرداً فردا مما سبب حالة من الاستغراب لدى رواد المقهى بلا استثناء فنتيجة لذلك خرج لها صاحب المقهى في اليوم الثالث من مرورها وسألها : لماذا تقفين بالباب وتقلبين وجوه رواد المقهى ؟؟ فأجابت المرأة أن لديها مشكلة وتحتاج إلى من يحلها وقد اخبرها الناس إن رواد المقهى من شيوخ العشائر ومن علية القوم وهي تنظر إليهم يوميا وتقلب وجوههم لعلها تجد من يساعدها في مشكلتها ولكنها لحد الآن لم تجد ( إلي يترس العين ) لتعرض له مشكلتها . فأجابها صاحب المقهى : إن الذي تبحثين عنه موجود في ديالى وفي دلي عباس تحديدا وأسمه الشيخ حبيب الخيزران وهو شيخ قبيلة العزة فأذهبي إليه واعرضي عليه مشكلتك وهو يحلها , فتوجهت العجوز من فورها إلى دلي عباس ووصلت إلى مضيف الشيخ حبيب الخيزران رحمه الله وعندما رأت العجوز ( أبو شلال ) حبيب الخيزران نزعت ( فوطتها ) ورمتها عليه فانتفض الخيزران قائلا : ( كولي اخيتي , بس يم الله مااكدرلها ( الأمور التي بيد الله لا أقدر عليها ) ) , يعني انه يقدر على الجميع والوحيد الذي لا يقدر له هو الله خالق الخلق فأي شيء تريده فهو قادر على تلبيته ماعدا الأشياء التي تُطلب من الله فهو غير قادر على تنفيذها , فقالت العجوز أن أبنها الوحيد محكوم بالإعدام لأنه قتل شخصا وإنها تريد حياة أبنها بأي طريقة وان الناس اخبروها أن حبيب الخيزران هو الوحيد القادر على إنقاذ ولدها , وهنا صاح حبيب على احد أولاده أن يجهز السيارة للذهاب إلى بغداد وقال للمرأة أن ترتاح اليوم في بيته وتذهب في الغد إلى بيتها وسيأتيها أبنها إلى دارها , وبعد يومين والمرأة في بيتها طُرقت الباب عليها وعندما فتحت الباب فوجئت بأبو شلال حبيب بالباب وبيده ولدها فسلمها إياه وهم بالمغادرة فأطلقت المرأة ( هلهولة ( زغرودة ) ) بصوت عالي فاجتمع الناس وقالت مخاطبة حبيب الخيزران :

انتم ذخر للنشامى إن قلوا أهل الشوف

وانتم حماة الهوادج لو صار ريب وخوف

فأجابها حبيب الخيزران :

خلي أبنج يكتل وخاله يفكه ( أي دعي ولدك يقتل من يشاء وأنا سأحميه وأخلصه دائما )

وأنا اسمع القصة من أحد الشخصيات الحصيفة تصورت المرأة العراقية التي رمت فوطتها على رئيس وأعضاء مجلس النواب العراقي وهي تطلب ولدها الذي راح ضحية جريمة سبايكر فبصقت على كل أشباه الرجال في زمن ضاعت المروءة والغيرة والشرف عند ساستنا , وتذكرت كلمات محافظ صلاح الدين السابق احمد الجبوري أبو مازن وهو يقول انه أشترى كل شيوخ محافظة صلاح الدين بسيارة بيك اب عذاري ( استولت عليها داعش لاحقا ) وبضعة دولارات وإن الجميع سيصوت له في الانتخابات لأنه ترس بطونهم وإنهم مثل القردة عندما تعطيه يضع يده فوق رأسه وعندما تمنع العطايا عنه يضع يده في أقبح مكان , وبالعموم فهذا حال شيوخنا الآن في العراق فهم عبيد لمن يدفع وأن ذممهم تشترى وتباع بأبخس الأثمان بمناسبة وبدون مناسبة وهم في الغالب لكلكية للسلطان وأذناب تجدهم عند باب كل حاكم .

شيوخ العشائر في الأزمان السابقة تعتمد نظرية ( حك ما ننطي وحكنا نريده , والعادانه عذره يفيدة ) وكان المجتمع بقيادتهم ينعم ببحبوحة من الأمن والسلام رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية ورغم انعدام الخدمات وغياب التكنولوجيا .

نحن هنا لا ندعو للعشائرية ولكننا ندعو إلى أن يتحلى شيوخ العشائر بالقدر المعقول من المروءة والغيرة والشرف لعلهم يستطيعون أن يغيروا من الواقع الفاسد والوضع المتردي في العراق ولعلهم يستطيعون إصلاح ما أفسده ساسة العهر والرذيلة وأن يعيدوا بناء العقد الاجتماعي الذي أنفرط في عراق يحكمه القوادون .

يطيب لي أن أختم بأبيات من شعر المنطقة الغربية تصف الحال الذي نعيشه في العراق :

شمالج توحشين الوحش يا دار

وهلج جانوا خزاين مصر يا دار

أشوف الفلك بالمكلوب يندار

البوم يصيد والحر يهفا

ملاحظة : العنوان قصص ذات أنياب استعرته من كتاب لرجل دين يحكي فضائح رجال الدين في الحوزة لذلك اقتضى التنويه .