التطوع، أو العمل العام، او الشأن العام، أو العمل الخيري، والاغاثي، أو حملات التبرع بالمال والدم، او ما تسميه الثقافة الشعبية بـ«النخوة» أو «الشهامة» أو «النجدة» كل ذلك يعني شيئا واحدا: هو عمل فردي أو جماعي غير مأجور ومن النوع المتبرع به عن طواعية في مجالات مختلفة تقع في منفعة أفراد وشرائح بحاجة الى المساعدة، او تنفيذ اعمال انشائية او اجتماعية، او درء اخطار تهدد حياة مواطنين او تهدد المدن والبلاد، ومما لا تقوم به الدولة، او تعجز عنه، او بعيداً عن متناول يدها، وهو احد عناصر التوازن الاجتماعي، وعامل من عوامل التضامن وتنمية «الغيرة» في المجتمع. ومن زاوية يبدو العمل التطوعي جذوة انسانية من الرغبة في العطاء والإحسان والمشاركة والمواطنة، وقليلا من نكرات الذات، والتضحية بشيء من المال والوقت والجهد والخبرة في سبيل ذلك. والمتطوع هو الشخص الذي يسمو بمشتركاته مع الآخرين وينمي فيها روح الاحسان والتعاون ويسخر نفسه عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد المبادرات في اتجاه واحد، وهو لا يهدف من وراء ذلك كسبا من اي نوع بما فيه الوجاهة والدعاية والتكريم. وتعدّ احدث الدراسات العمل التطوعي كضلع ثالث في عملية التنمية الاجتماعية والاستثمارية بعد القطاع العام والخاص ويسهم بشكل كبير، بالنسبة لدول كثيرة، في حل مشاكل المجتمع من تعليم وصحة وبيئة ويعمل على دعم ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بالامراض، مكلفة العلاج، والتخفيف من معاناة السكان وابناء الاحياء الفقيرة، وتحقيق اعمال البناء والنظافة وتحسين البيئة ويعتبر من اهم عوامل التكافل الاجتماعي اذ يؤدي الى الشعور بالمحبة بين الناس.. وفي هذا اصبح العمل التطوعي علما من علوم المجتمع، يتطور بحسب ضرورات التنمية واشكال احتياجاتها، ويصبح نشاطا تنهض به مؤسسات متخصصة تتفنن في اقناع الناس بالاحسان والجود بما تملك من طاقة او ممتلكات في سبيل الآخرين الاكثر حاجة لها.
*****************
لماذا يتردى، لدينا، التعامل مع الشأن العام؟ او، لماذا تتصدع الغيرة على الآخرين واحياناً على الوطن؟ اعني، لماذا يقف المجتمع، اكثر الاحيان، متفرجا على ما يحيطه من اخطار تداهم مستقبله، ولا يبادر الى تصويب الامور؟. اعرف من بين الاسباب الكثيرة سببا واحدا جديرا بالاهتمام، هو تراجع الثقة بالشعارات والنخوات، والاصح، تراجع هذه الثقة باصحاب تلك الشعارات، وقد شكل هذا الشعور من المرارة خلفية لتصدع «همة» وروح العمل التطوعي المنتج، العمل العام، اضافة الى غياب الامثولة الملهمة للملايين لكي تنخرط في اعمال التطوع الاجتماعي لاعادة البناء وترشيد الخدمات ومبادرات التنظيف والتبرع والاحسان، ويلعب «المسؤول» وحسن ادارته لشؤون الوظيفة دورا مهما في توسيع مبادرات الانخراط الطوعي في انشطة العمل العام، التي تصبح، في منعطفات معينة من تاريخ الشعوب(مثل الفيضانات. الحرائق. الزلازل. الكوارث. التهديدات الخارجية) بمثابة مبادرات انقاذ، او غرائز انسانية نبيلة لحماية البلاد. ويحسن ان نتذكر ان الكثير من التعاليم الاسلامية والمسيحية، وجميع الاديان، تشجع على العمل العام والتطوع وتلزم الانسان بالعمل من اجل غيره، فالعمل من اجل الغير في جميع هذه الاديان «يقرب الانسان من الله» وقد ذهب الفيلسوف الالماني هيغل الى تصوير العمل بالجهد الذي يحيل فيه الانسان الطبيعة الى اداة لخير المجموع ليصبح في نهاية الامر سيد الطبيعة، وفي الفكر الانساني عموما، تأكيد على ان تحرر الانسان من تهديدات الطبيعة تم، ويتم، عبر سلسلة مديدة من الاعمال الجمعية غير المأجورة، او العمل التطوعي. وفي جميع الاحوال، يحدث ما يسميه الباحثون الثنائية بين العمل العام والعمل الخاص، ويبرز الافتراق بينهما، في حالتين، الاولى، الانانية التي تتهرب من تقديم اي خدمة او عمل تطوعي للمجتمع، والثانية، الافتداء بالنفس والمصالح الذاتية في سبيل المجتمع، ولسنا هنا بصدد الاستطراد في هذين الوجهين من العمل العام، بل الاشارة الى تردي حال «العمل العام» في البيئة السياسية العراقية «الانتقالية» الحالية، حيث تراجعت هذه الفعالية الى ادنى منسوب لها، وبالاخص في عيون العامة من الناس، زادها فيضان المعلومات، والشائعات، واعمال التشهير والفضائح ومطاعن الفساد، والاثراء غير المشروع، ومظاهر النعمة المفاجئة، والانانيات الفئوية والقبلية والعائلية. ولعل اخطر نتائج انحدار سمعة العمل العام يمكن رصده في تراجع حركات الاحسان للاخرين والحملات المنظمة لانقاذ المحتاجين والاستعداد للتضحية بالانانيات من اجل الغير وقهر قوى العنف والجريمة، فيما يسري شعار «كلمن يكول يا روحي» كمنشور سري للعدو لسلب وتسميم روح المبادرة الجمعية وتحطيم مقاومة الشعب للاخطار. |